قلت: يقال لهم ذلك في الآخرة إيذاناً بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم، وكانوا من أهله تذكيراً بحالهم السمجة وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم والملك الخالد. وفي طريقته قوله:
إخوتى لا تبعدوا أبداً | وبلى والله قد بعدوا |
وتلخيص الجواب، أن هذا القول كالوسم عليهم، وأيما ساعة وأيما شخص وقع نطره إليهم قال ذلك في حقهم، لتهالكهم في مشتهيات العاجلة والذهول عن تبعاتها في الآجلة. وفائدة ذكره في الآخرة، تذكير سوء اختيارهم، وهو إيثار المتاع القليل على النعيم المقيم، ونحوه قوله تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْأخِرَةِ كَافِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٤ - ٤٥].
روي عن المصنف أنه قال: "اتصال قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ﴾ بقوله: ﴿لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾، كأنه قيل: ويل يومئذ للمكذبين الذين كذبوا، وإذا قيل لهم: اركعوا، لا يركعون. ويجوز أن يكون اتصاله بقوله: ﴿إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ﴾ على طريقة الالتفات، كأنه قيل: هو أحقاء بأن يقال لهم: كلوا وتمتعوا، ثم علل ذلك بكونهم مُجرمين، وبكونهم إذا قيل لهم: صلوا، لا يصلون".
قوله: (إخوتي لا تبعدوا)، ليس فيه نهي ولا طلب، لأنهم هلكوا وبعدوا وأبادوا. ثم قوله:
وبلى والله قد بعدوا
تناهي تحسر وتوجع، يعني: أحقاء بأن يقال لكم في أيام حياتكم: لا تبعدوا أبداً،