قلت: الرياح هي التي تنشئ السحاب وتدرّ أخلافه فصحّ أن تجعل مبدأ للإنزال؛ وقد جاء أنّ الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب، فإن صحّ ذلك فالإنزال منها ظاهر.
فإن قلت: ذكر ابن كيسان أنه جعل المعصرات بمعنى المغيثات، والعاصر هو المغيث لا المعصر. يقال: عصره فاعتصر.
قلت: وجهه أن يريد اللاتي أعصرن، أي حان لها أن تعصر، أي: تغيث، (ثَجَّاجاً) منصباً بكثرة يقال: ثجه وثج نفسه، وفي الحديث: (أفضل الحج: العجّ والثجّ) أي رفع الصوت بالتلبية، وصب دماء الهدى. وكان ابن عباسٍ مثجا يسيل غرباً، يعنى يثج الكلام ثجاً في خطبته. وقرأ الأعرج: (ثجاجا)، ومثاجح الماء: مصابه، والماء ينثجح في الوادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (بمعنى المغيثات)، الراغب: "الغيث: يقال في المطر، والغوث: في النصرة، واستغثته: طلبت الغيث منه والغوث، فأغاثني: من الغوث، وغاثني: من الغيث".
قوله: (اللاتي أعصرن)، فيكون "أعصر" على هذا غير الأول، إذ "المعصرات" يراد بها الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب، فالهمزة للحينونة لا للتعدية، وعن بعضهم: القبول والصبا بمعنى واحد، وهي من المشرق، وهي تجمع السحاب، والجنوب تعصرها وتحلبها، وهي من القبلة، والدَّبور من المغرب، وهي معاونة القبول، والشمال تفرقها. والعصر والحلب ها هنا: الاعتماد.