يتصرفون فيه تصرف الملاك، فيزيدون فيه أو ينقصون منه. أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب، إلا أن يهب لهم ذلك ويأذن لهم فيه. (يَوْمَ يَقُومُ) متعلق بلا يملكون، أو بلا يتكلمون. والمعنى: إن الذين هم أفضل الخلائق وأشرفهم وأكثرهم طاعة وأقربهم منه، وهم الروح والملائكة لا يملكون التكلم بين يديه، فما ظنك بمن عداهم من أهل السماوات والأرض؟ والروح: أعظم خلقاً من الملائكة، وأشرف منهم، وأقرب من رب العالمين. وقيل: هو ملك عظيم ما خلق الله بعد العرش خلقاً أعظم منه. وقيل: ليسوا بالملائكة، وهم يأكلون. وقيل: جبريل. هما شريطتان: أن يكون المتكلم مأذونا له في الكلام. وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى، لقوله تعالى (ولا يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى) [الأنبياء: ٢٨].
[(إنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ المَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ويَقُولُ الكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) ٤٠].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو لا يملكون أن يخاطبوه)، فالتنكير على هذا للنوع؛ ولأن قوله: "أن يُخاطبوه بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب" عبارة عن الشفاعة، ومن: ابتدائية صلة " لا يملكون"، أي: لا يقدرون أن يُخاطبوا الله في الشفاعة، إذ ليس لهم من جهته إذنٌ فيها. روى الواحدي عن مقاتل: "المعنى: لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه".
قوله: (فلا يشفع لغير مرتضى)، الانتصاف: هو تعريض أن الشفاعة لا تكون لأرباب الكبائر. والجواب أن المؤمنين مُرتضون، لقوله: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧] فجعل الشكر بمعنى الإيمان المقابل للكفر. وقلت: المرتضى هاهنا كالمصطفى في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِي﴾ [فاطر: ٣٢].
وقال الإمام: فإن قيل لما أذن له الرحمن في التكلم، علم أنه حق وصواب، فما الفائدة في قوله: ﴿وَقَالَ صَوَابًا﴾؟ الجواب من وجهين، أحدهما: أن التقدير: لا ينطقون إلا بعد


الصفحة التالية
Icon