وعن قتادة: هو المؤمن. (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) في الدنيا؛ فلم أخلق ولم أكلف. أو ليتني كنت ترابا في هذا اليوم فلم أبعث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من ربك، ووصف ذاته بالجبروت والكبرياء، وأن أحداً لا يملك منه خطاباً، وجعله ذريعة إلى ذكر اليوم، وأن الملائكة والروح لا يشفعون فيه للمرتضى إلا بالإذن، ثم ذكر أنه يوم الحق، أي الكائن الواقع، أو يحكم الله فيه بين عباده بالحق، كقوله تعالى: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٦٩]، وهذا أولى لما سبق من ذكر المتقين والطاغين، وبيان مفاز أولئك ومآب هؤلاء، ولذلك رتب عليه قوله: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ [المزمل: ١٩]، أي: بينا السبيلين للفريقين، فمن سلك سبيل المتقين واتخذ إلى ربه مآبا، فاز وأفلح، ومن اختار سبيل الطاغين خاب وخسر، فقد أزحنا العلل لأنا أنذرناكم عذاباً قريباً، وجعل تخلصاً إلى ذكر الاختتام بما افتتحت السورة به؛ لأن الظرف صفة لـ "عذاباً"، أي: أنذرناكم عذاباً كائناً هذا شأنه، وهو "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه"، مثله في الاختتام: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧ - ٨]. وقال الإمام: "الأظهر أن المرء عام؛ لن المكلف إن اتقى الله فليس له إلا الثواب، وإن كفر بالله فليس له إلا العذاب، فلا حال للمكلفين حينئذ سوى هذين؛ فطوبى له إن قدم عمل الأبرار، وويل له إن قدم عمل الفجار".
فإن قلت: لم خص قول الكافرين دون المؤمنين؟ قلت: دل قول الكافرين على غاية الخيبة ونهاية التحسر، ودل حذف قول المؤمن على غاية التبجح ونهاية الفرح مما لا يحيط به الوصف.
قوله: (وعن قتادة: هو المؤمن)، قال الامام: "دل عليه قول الكافر: ﴿يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾، فلما كان هذا بياناً لحال الكافر وجب أن يكون بياناً لحال المؤمن".


الصفحة التالية
Icon