إلا أنه جعلهما واحدة؛ لأن الثانية كأنها من جملة الأولى لكونها تابعة لها. (فَكَذَّبَ) بموسى والآية الكبرى، وسماهما ساحراً وسحراً (وعَصَى) الله تعالى بعد ما علم صحة الأمر، وأن الطاعة قد وجبت عليه. (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى) أي: لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً، يسعى: يسرع في مشيته. قال الحسن: كان رجلاً طياشاً خفيفاً. أو تولى عن موسى يسعى ويجتهد في مكايدته، وأريد: ثم أقبل يسعى، كما تقول: أقبل فلان يفعل كذا، بمعنى: أنشأ يفعل، فوضع (أَدْبَرَ) موضع: أقبل؛ لئلا يوصف بالإقبال. (فَحَشَرَ) فجمع السحرة، كقوله (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِينَ) [الشعراء: ٥٣]. (فَنَادَى) في المقام الذي اجتمعوا فيه معه، أو أمر منادياً في الناس بذلك. وقيل قام فيهم خطيباً فقال تلك العظيمة. وعن ابن عباس: كلمته الأولى: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرِي) [القصص: ٣٨] والآخرة: (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) [النازعات: ٢٤]. (نَكَالَ) هو مصدر مؤكد، كوعد الله، وصبغة الله؛ كأنه قيل: نكل الله به نكال الآخرة والأولى، والنكال بمعنى التنكيل، كالسلام بمعنى التسليم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مذهب أبي حنيفة رحمة الله، أن الأمر للفور، ونظيره قوله تعالى: ﴿أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ﴾ [الأعراف: ١٦٠]، وأنشد للمتنبي:
إن تدع يا سيف لتستعينه يُجبك قبل أن تتم سينه
قوله: (فوضع ﴿أَدْبَرَ﴾ موضع "أقبل"؟ )، الانتصاف: "وهو وجه حسن، وأدبر على هذا من أفعال المقاربة". وقلت: ويمكن أن يقال: إن ﴿أَدْبَرَ﴾ استعير لأقبل على التلميحية؛ لأن سعيه كان دابراً عليه.