والثاني: أن يكون (اخْرُجْ) حالاً بإضمار (قد) كقوله: (جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء: ٩٠] وأراد بـ (مرعاها): ما يأكل الناس والأنعام. واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله: (يَرْتَعْ ويَلْعَبْ) [يوسف: ١٢]. والظاهر أنه تغليب، لأنه قوله (مَتَاعًا لَّكُمْ ولأَنْعَامِكُمْ) وارد عليه، ومن حقه أن يغلب ذوي العقول على الأنعام، فعكس تجهيلاً؛ وقرئ: (نرتع)، من الرعي؛ ولهذا قيل: دل الله سبحانه بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح؛ لأنه من الماء. (مَتَاعًا لَّكُمْ) فعل ذلك تمتيعاً لكم، (ولأَنْعَامِكُمْ)؛ لأن منفعة ذلك التمهيد واصلة إليهم وإلى أنعامهم.
[(فَإذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى • يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسَانُ مَا سَعَى • وبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرَى) ٣٤ - ٣٦].
(الطَّامَّةُ) الداهية التي تطم على الدواهي، أي: تعلو وتغلب. وفي أمثالهم: جرى الوادي فطم على القري، وهي القيامة لطمومها على كل هائلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (واستعير الرعي للإنسان)، يعني: استعير الرعي والرتع لتناول الإنسان الطعام، كما يستعار المرسن للأنف، والمشفر للشفة. عن بعضهم: ﴿مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾ عبارة عن الأرزاق، جمع الله تعالى جميع ما يُتمتع به في هاتين الكلمتين. ويجوز أن يكون استعارة معنوية. لأن الكلام مع منكري الحشر بشهادة قوله: ﴿ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا﴾ كما مر قبل أيها المعاندون الداخلون في زمرة البهائم الملزوزون في قرنها في تمتعكم بالدنيا، وذهولكم عن الأخرى.
قوله: (وقُرئ: "نرتع")، أي: بكسر العين، من الارتعاء، افتعال من الرعي.
قوله: (جرى الوادي فطم على القرى)، قال الميداني: "أي: جرى سبيل الوادي فطم، أي: دفن، يقال: طم السيل الركية، أي: دفنها. والقري: مجرى الماء في الروضة والجمع: أقرية، وقريان، يعني: أتى على القرى أي: أهلكه بأن دفنه، يُضرب عند تجاوز الشر حده".