فكفاهم بذلك دليلاً على دنوها ومشارفتها ووجوب الاستعداد لها، ولا معنى لسؤالهم عنها. (إنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا) أي: لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة الذي لا فائدة لهم في علمه، وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يكون من إنذارك لطفا له في الخشية منها. وقرئ: (منذر) بالتنوين، وهو الأصل؛ والإضافة تخفيف، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال؛ فإذا أريد الماضي فليس إلا الإضافة؛ كقولك: هو منذر زيد أمس، أي: كأنهم لم يلبثوا في الدنيا، وقيل: في القبور (إلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا).
فإن قلت: كيف صحت إضافة الضحى إلى العشية؟
قلت: لما بينهما من الملابسة لاجتماعهما في نهار واحد.
فإن قلت: فهلا قيل: إلا عشية أو ضحى وما فائدة الإضافة؟
قلت: الدلالة على أن مدة لبثهم كأنها لم تبلغ يوماً كاملاً، ولكن ساعة منه عشيته أو ضحاه؛ فلما ترك اليوم أضافه إلى عشيته، فهو كقوله: (لَّمْ يَلْبَثُوا إلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ) [الأحقاف: ٣٥].
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة (وَالنَّازِعَاتِ) كان ممن حبسه الله في القبر والقيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة المكتوبة».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقُرئ: "مُنذر" بالتنوين)، وهي شاذة. قال الزجاج: "المعنى: إنما أنت في حال إنذار من يخشاها وفيما يستقبل أيضاً، ومفعل وفاعل إذا كانا بمعنى الحال والاستقبال نوناً؛ لأنه حينذ بدل من الفعل، والفعل نكرة، وقد يجوز حذف التنوين على الاستخفاف، والنعتى على ثبوت التنوين، فإذا كان لما مضى فهو غير منون البتة".
قوله: (فهو كقوله: ﴿لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ﴾ [الأحقاف: ٣٥]، روي عن المصنف أنه قال: لهذا الكلام أصل، وهو قوله: لم يلبثوا إلا ساعة من نهار عيشته أو ضحاه، فوضع