[(قُتِلَ الإنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ • مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ • مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ • ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ • ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ • ثُمَّ إذَا شَاءَ أَنشَرَهُ • كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) ١٧ - ٢٣]
(قُتِلَ الإنسَانُ) دعاء عليه، وهي من أشنع دعواتهم؛ لأن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها. و (مَا أَكْفَرَهُ) تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله، ولا ترى أسلوباً أغلظ منه. ولا أخشن مساً، ولا أدل على سخط، ولا أبعد شوطاً في المذمة، مع تقارب طرفيه، ولا أجمع للائمة على قصر متنه، ثم أخذ في وصف حاله من ابتداء حدوثه إلى أن انتهى، وما هو مغمور فيه من أصول النعم وفروعها، وما هو غارز فيه رأسه من الكفران والغمط، وقلة الالتفات، إلى ما يتقلب فيه وإلى ما يجب عليه من القيام بالشكر. (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) من أي شيء حقير مهين خلقه؟ ثم بين ذلك الشيء بقوله: (مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) فهيأه لما يصلح له ويختص به. ونحوه (وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: ٢]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولا أجمع للائمة على قصر متنه)، اللائمة: الملائمة. قال الإمام: ﴿قُتِلَ الْإِنسَانُ﴾: تنبيه على أنهم استحقوا أعظم أنواع العقاب عُرفاً، وقوله: ﴿مَا أَكْفَرَهُ﴾ تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعاً.
قوله: (غارز فيه رأسه)، كناية عن الانهماك في الشيء والذهاب عما عليه. الأساس: "فلان غارز رأسه في سنة، وما طلع السماك إلا غارزاً ذنبه في برد، وهو الأعزل، يطلع لخمس خلت من تشرين الأول".
قوله: (ونحوه: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾)، يعني: مثله في عطف ﴿فَقَدَّرَهُ﴾ على ﴿وَخَلَقَ﴾، والخلق والتقدير شيء واحد، لكن المراد من التقدير هاهنا التهيؤ والاستعداد، قال: المعنى: أنه أحدث كل شيء إحداثاُ مراعي فيه التقدير والتسوية، فقدره وهيأه لما