(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) تحقيق لما يكذبون به من الجزاء، يعنى أنكم تكذبون بالجزاء والكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم لتجازوا بها. وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيمٌ لأمر الجزاء، وأنه عند الله من جلائل الأمور؛ ولولا ذلك لما وكل بضبط ما يحاسب عليه، ويجازى به الملائكة الكرام الحفظة الكتبة. وفيه إنذارٌ وتهويلٌ وتشويرٌ للعصاة ولطفٌ للمؤمنين. وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال: ما أشدّها من آية على الغافلين!
[(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ * وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) ١٣ - ١٦].
(وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) كقوله: (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) [المائدة: ٣٧]، ويجوز أن يراد: يصلون النار يوم الدين وما يغيبون عنها قبل ذلك،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (تحقيق لما يكذبون به من الجزاء)، بيان "ما"، أي أن قوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾، يقرر أن المراد بالدين هو الجزاء لا دين الإسلام، لأن الحفظة لا يكتبون الجزاء، فيكون قوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾: حالاً مقررة لجهة الإشكال، وإليه الإشارة بقوله: إنكم تكذبون بالجزاء، والكاتبون عليكم أعمالكم.
قوله: (وتشوير للعصاة)، الجوهري: "شورت الرجل فتشور، أي: أخجلته فخجل".
قوله: (﴿وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾ كقوله: ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا﴾ [المائدة: ٣٧])، قال في تفسيره: " ﴿هُمْ﴾ دلت على قوة أمرهم فيما أسند إليهم، لا على الاختصاص" بناء على مذهبه. والوجهان اللذان ذكرهما هاهنا، ذكرهما فراراً من معنى الاختصاص الذي يؤدي إليه مذهب أهل الحق ولا محيد له عنه؛ لأن إيلاء الضمير حرف النفي يدل على أن الكلام في الفاعل، لا في الفعل، والمسألة متفق عليها، وقد استقصيناها في البقرة.


الصفحة التالية
Icon