ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر». وعن على رضي الله عنه: أنه مر برجل يزن الزعفران وقد أرجح فقال له: أقم الوزن بالقسط، ثم أرجح بعد ذلك ما شئت. كأنه أمره بالتسوية أولاً ليعتادها ويفصل الواجب من النفل. وعن ابن عباس: إنكم معشر الأعاجم وليتم أمرين، بهما هلك من كان قبلكم: المكيال والميزان؛ وخص الأعاجم؛ لأنهم يجمعون الكيل والوزن جميعاً وكانا مفرّقين في الحرمين: كان أهل مكة يزنون وأهل المدينة يكيلون، وعن ابن عمر أنه كان يمر بالبائع فيقول له: اتق الله وأوف الكيل، فإنّ المطففين يوقفون يوم القيامة لعظمة الرحمن حتى إن العرق ليلجمهم. وعن عكرمة: أشهد أنّ كل كيالٍ ووزانٍ في النار. فقيل له: إنّ ابنك كيالٌ أو وزانٌ؛ فقال: أشهد أنه في النار. وعن أبىّ رضي الله عنه: لا تلتمس الحوائج ممن رزقه في رؤوس المكاييل وألسن الموازين، لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالاً يضرهم ويتحامل فيه عليهم: أبدل «على» مكان «من» للدلالة على ذلك. ويجوز أن يتعلق «على» بـ "يستوفون"، ويقدم المفعول على الفعل لإفادة الخصوصية، أي: يستوفون على الناس خاصة؛ فأما أنفسهم فيستوفون لها؛ وقال الفراء «من» و «على» يعتقبان في هذا الموضع؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويفصل الواجب من النَّفل)، أي: يُميزه منه، ويفرق بينهما.
قوله: (ليلجمهم)، النهاية: "يبلغ العرق منهم ما يُلجمهم، أي: يصل إلى أفواههم، فيصير لهم بمنزلة اللجام يمنعهم عن الكلام".
قوله: (ويتحامل فيه عليهم)، الأساس: "تحاملت الشيء: حملته على مشقة، وتحام عليَّ فلان: لم يعدل"، يريد أن ﴿اكْتَالُوا﴾ مما يعدي بمن، فلما ضمن معنى التحامل، كقولك: تحامل عليَّ فلان، عُدي بعلى. وفي "المطلع": كانوا متمكنين من الاحتيال في الأخذ مستوفى في الكيل بزعزة المكيال وميله بقوة وضغط.


الصفحة التالية
Icon