قلت: كأن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة؛ لأنهم يدعدعون ويحتالون في الملء، وإذا أعطوا كالوا أو وزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين جميعاً. (يُخْسِرُونَ) ينقصون. يقال: خسر الميزان وأخسره، (أَلا يَظُنُّ) إنكارٌ وتعجيبٌ عظيمٌ من حالهم في الاجتراء على التطفيف، كأنهم لا يخطرون ببالهم ولا يخمنون تخميناً (أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) ومحاسبون على مقدار الذرّة والخردلة. وعن قتادة: أوف يا ابن آدم كما تحب أن يوفى لك، واعدل كما تحب أن يعدل لك. وعن الفضيل: بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة. وعن عبد الملك بن مروان: أن أعرابياً قال له: قد سمعت ما قال الله في المطففين: أراد بذلك أن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم الذي سمعت به، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيلٍ ولا وزن. وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن، ووصف اليوم بالعظم، وقيام الناس فيه لله خاضعين،......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والوزن، فيدخل في هذا العام من نزلت فيهم الآية دخولاً أولياً، وعلى الثالث: يكون ذكر الوزن لمزيد الذم، يعني: إذا اتفق أحياناً لهم وزن بما هو قانون العدل، لقوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾، يُخسرون أيضاً.
قوله: (ويُزَعزِعُون)، ويُروى: ويُدعدعون. الجوهري: "الدعدعة: تحريك المكيال ونحوه ليسعه الشيء، ودعدعت الشيء: ملأته".
قوله: (وفي هذا الإنكار والتعجيب)، يعني: الهمزة الداخلة على النافية: للإنكار والتعجيب. قال أبو البقاء: ﴿أَلَا﴾ ليست للتنبيه؛ لأن ما بعد حرف التنبيه مثبت، وهاهنا نفي، فدل كلمة الظن على التجهيل، واسم الإشارة على التبعيد، ووصف القيامة بيوم عظيم، ثم إبداله بقوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ على استعظام ما يستحقرونه وأن الحكمة اقتضت أن لا يهمل ذرة {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (وَمَن يَعْمَلْ


الصفحة التالية
Icon