دوّن الله فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والإنس، وهو كتابٌ مرقومٌ مسطورٌ بين الكتابة، أو معلمٌ يعلم من رآه أنه لا خير فيه، فالمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبتٌ في ذلك الديوان، وسمى سجيناً: فعيلاً من السجن، وهو الحبس والتضييق، لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم، أو لأنه مطروحٌ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وروى صاحب "الكشف" عن أبي علي أنه قال في هاتين الآيتين: إن قوله: ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾: خبر مبتدأ مُضمر، أي: وما أدراك ما سجين؟ كتاب، أي: هو كتاب، أي: موضع كتاب، وكذا "عِليون"، هو موضع كتاب، فحُذف المبتدأ والمضاف جميعاً، ولا بد منه؛ لأنه ثبت بالدليل أن "عِلّيين" مكان.
روينا عن الترمذي وأبي داود، عن أبي سعيد الخُدري، أن رسول الله؟ قال: "إن أهل الدرجات العُلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الساطع من أُفق السماء، وإن أبا بكر وعُمر منهم وأنعما". وفي لفظ أبي داود: "إن الرجل من أهل عِليين ليشرف على أهل الجنة فتضيء الجنة بوجهه كأنه كوكب دُري".
قال صاحب "الجامع": "أنعم فلان النظر في الأمر: إذا بالغ في تدبره والتفكر فيه وزاد فيه، وأحسن فلان إليّ وأنعم، أي: أفضل وزاد في الإحسان، أي: هما منهم وزادا في هذا الأمر وتناهيا فيه إلى غايته. والكوكب الدري هو الكبير المضيء، كأنه نُسب إلى الدّرِّ تشبيهاً".
قوله: (أو لأنه مطروح)، وجه آخر في تعليل التسمية، يعني: سُمِّي كتاب الفُجار سجيناً تسمية للسبب باسم المسبب، أو تسمية للحال باسم المحل. روى الواحدي بإسناده، أن الفلق: جُب في جهنم مُغطى، وسجين: جُبٌّ في جهنم مفتوح.