لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للوجهاء المكرمين لديهم، ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء المهانون عندهم. قال:

إذا اعتروا باب ذي عبيةٍ رجبوا والنّاس من بين مرجوبٍ ومحجوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند الله وإنزال السُّخط عليهم بحال من يُحجب عن بعض السلاطين لذلك. "الانتصاف": "هي عند أهل السنة على حقيقتها، وهي من أدلة الرؤية. لما خص الله الكفار بالحجاب، دل على أنه مرفوع عن الأبرار، ولا معنى لرفع الحجاب إلا الإدراك، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟.
وقلت - والعلم عند الله-: ويساعده النظم؛ لأن قوله: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾، مقابل لقوله: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾، والسجين - كما فسره المصنف، وعليه أكثر المفسرين -: هو تحت الأرض السابعة، وهو مسكن إبليس وذريته، ولذلك قوبل بقوله: ﴿يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾، فيكون قوله: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ﴾ مقابلاً لقوله: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ﴾. وقوله: ﴿يَنظُرُونَ﴾ مطلق، ليس فيه أنهم ينظرون إلى ماذا، فدل قوله: محجوبون عن ربهم، على أنهم غير محجوبين عنه. ويؤيده قوله عز وجل: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾؛ لأن في معنى قوله تعالى: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ وقوله: ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ﴾ إلى قوله: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾؛ لأنه في معنى قوله: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: ٢١]. وروى محيي السنة أنه سُئل مالك عن هذه الآية، قال: "لما حُجب أعداؤه فلم يروه تجلي لأوليائه حتى رأوه. وقال الشافعي: فيها دلالة على أن أولياء الله يرون الله، وقال الحسن: لو علم الزاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدنيا".
قوله: (إذا اعتروا باب ذي عُبية) البيت، ذي عُبِّيَّة، أي: ذي كبر ونحوه، فُعلية من


الصفحة التالية
Icon