[(قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ • النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ • إذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ • وهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ • ومَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ • الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ٤ - ٩]
فإن قلت: أين جواب القسم؟
قلت: محذوف يدل عليه قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ) كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء أنهم ملعونون، يعني كفار قريش كما لعن أصحاب الأخدود؛ وذلك أن السورة وردت في تثبيت المؤمنين وتصبيرهم على أذى أهل مكة، وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان، وإلحاق أنواع الأذى، وصبرهم وثباتهم، حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم، ويعلموا أن كفارهم عند الله بمنزلة أولئك المعذبين المحرقين بالنار، ملعونون أحقاء بأن يقال فيهم: قتلت قريش، كما قيل: قتل أصحاب الأخدود وقتل: دعاء عليهم، كقوله: (قُتِلَ الإنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) [عيس: ١٧]، وقرئ: (قتل) بالتشديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (محذوف)، أي: جواب القسم أنهم ملعونون. فعلى هذا، ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ لا يكون دعاء عليهم، بل هي كلمة تعجب، يُعجب الناس من عنادهم وشدة شكيمتهم ومبالغتهم في تعذيب المؤمنين، فيكون كناية عن كونهم ملعونين، كما يقول قائله: لله ما أشجعه! يدل على قوله: "و ﴿قُتِلَ﴾: دعاء عليه". قال الإمام: "كان مشركو قريش يؤذون المؤمنين على حسب ما اشتهرت به الأخبار عن مبالغتهم في إيذاء عمار وبلال".
وروى الإمام عن الزجاج والأخفش، "أن جواب القسم: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾، واللام مضمرة كما قال: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا... قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ [الشمس: ١، ٩]، أي: لقد أفلح. وقيل: الجواب: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾، وقيل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ﴾، وقيل: الجواب محذوف، والتقدير: إن الأمر حق في الجزاء".


الصفحة التالية
Icon