[(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الجُنُودِ • فِرْعَوْنَ وثَمُودَ • بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ • واللَّهُ مِن ورَائِهِم مُّحِيطٌ • بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ • فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) ١٧ - ٢٢]
(فِرْعَوْنَ وثَمُودَ) بدل من الجنود، وأراد بفرعون إياه وآله، كما في قوله: (مِّن فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِمْ) [يونس: ٨٣]، والمعنى: قد عرفت تكذيب تلك الجنود الرسل وما نزل بهم لتكذيبهم. (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) من قومك (فِي تَكْذِيبٍ) أي: تكذيب واستيجاب للعذاب، والله عالم بأحوالهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن اقتضاء مذهبه يخالف تفسيره؛ فإنهم يقولون: الله يريد من العباد الإيمان والطاعة، ولا يريد الكفر والمعصية، ولا شك أن الثاني أكثر وقوعاً. وأيضاً إن العباد إذا كانوا فاعلين لأفعالهم مستقلين في خلقها، فكأن الكثرة فيها.
وقال الإمام: "احتج أصحابنا بهذه الآية في مسألة خلق الأعمال، قالوا: لا خلاف في أنه يريد الإيمان من المكلف، فوجب أن يكون فاعلاً له، وإذا كان فاعلاً للإيمان، وجب أن يكون فاعلاً للكفر ضرورة، لأنه لا قائل بالفرق. وقال القفال: الفعّال لما يريد: يفعل ما يريد على ما يراه، ولا اعتراض عليه، ولا يغلبه غالب، فيُدخل من يشاء الجنة لا يمنعه مانع، ويُدخل أعداءه النار لا ينصرهم منه ناصر".
قوله: (قد عرفت تكذيب تلك الجنود)، تفسير لقوله ﴿هَلْ أَتَاكَ﴾، وفيه أن ﴿هَلْ﴾ هاهنا بمعنى ﴿قَدْ﴾، وضُمن معنى التعجب بدلالة ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ﴾، ليفيد الترقي من التعجيب إلى التعجب في الإضراب الأول، والترقي من التكذيب إلى التكذيب في الإضراب الثاني. بيان ذلك قوله: "إن أمرهم أعجب من أمر أولئك، لأنهم سمعوا بقصصهم"، إلى قوله: "وكذبوا أشد من تكذيبهم".
والمبالغة في الثاني تفهم من التنكير في قوله ﴿فِي تَكْذِيبٍ﴾، ثم ترقى وقال: دع تكذيبهم بذلك، فإن هاهنا ما هو أطَمّ منه، وهو تكذيبهم بهذا القرآن المجيد المثبت في اللوح المحفوظ.