أتبعه توصية الإنسان بالنظر في أول أمره ونشأته الأولى، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبته؛ و (مِمَّ خُلِقَ) استفهام جوابه (خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ) والدفق: صب فيه دفع. ومعنى دافق: النسبة إلى الدفق الذي هو مصدر دفق، كاللابن والتامر، أو الإسناد المجازي. والدفق في الحقيقة لصاحبه، ولم يقل ماءين لامتزاجهما في الرحم، واتحادهما حين ابتدئ في خلقه، (مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ) من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فظهر من هذا التقدير أن الفاء في ﴿فَلْيَنظُرِ﴾ فصيحة تُفصح عن هذه المقدرات، مثلها في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، بعد قوله: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ [آل عمران: ١٩١].
قوله: (الدفق: صب فيه دفع)، عن بعضهم: ﴿مِن مَّاءٍ دَافِقٍ﴾، أي: سائل بسرعة، ومنه استعير: جاؤوا دُفقة، وبعير أدفق، أي: سريع.
قوله: (وترائب المرأة، وهي عظام الصدر)، قال الإمام: "طعن [في هذه الآية] الملحدة، خذلهم الله وأبادهم، وقالوا: إن المني إنما يتولد من فضلة الهضم الرابع، وينفصل من جميع أجزاء البدن، فيأخذ من كل عضو طبيعته وخاصيته، مستعداً لأن يتولد منه مثل تلك الأعضاء. فإن كان المراد أن معظم أجزاء المني يتولد هناك فهو ضعيف، لأن معظمه