معظماً في القلوب، يترفع به قارئه وسامعه، وأن يلم بهزل أو يتفكه بمزاح، وأن يلقي ذهنه إلى أن جبار السموات يخاطبه فيأمره وينهاه، ويعده وبوعده، حتى إن لم يستفزه الخوف ولم تتبالغ فيه الخشية، فأدنى أمره أن يكون جادا غير هازل، فقد نعى الله ذلك على المشركين في قوله: (وتَضْحَكُونَ ولا تَبْكُونَ • وأَنتُمْ سَامِدُونَ) [النجم: ٦٠ - ٦١]، (والْغَوْا فِيهِ) [فصلت: ٢٦].
[(إنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا • وأَكِيدُ كَيْدًا • فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) ١٥ - ١٧].
(إنَّهُمْ) يعني أهل مكة يعملون المكايد في إبطال أمر الله وإطفاء نور الحق، وأنا أقابلهم بكيدي: من استدراجي لهم وانتظاري بهم الميقات الذي وقته للانتصار منهم، (فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ) يعني: لا تدع بهلاكهم ولا تستعجل به،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حال من الضمير المجرور في "حقه"، يريد أنه من المعلوم أن القرآن كله جد وليس بهزل؛ وإنما وصفه الله تعالى بذلك، ليكون مهيباً في الصدور، معظماً في القلوب. روينا عن الترمذي والدرامي، عن الحارث الأعور، عن علي رضي الله عنه، قال: "سمعت رسول الله؟ يقول: إنها ستكون فتنة. قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحُكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله". الحديث.
قوله: (يترفع به قارئه)، أي: يُعظه بأن لا يشتغل بما يخالف تعظيمه، من الإلمام بالهزل، والتفكه بالمزاح. "الأساس": "دخلت عليه فلم يرفع لي رأساً، ورفعت له غاية فسما إليها".
قوله: (أن يُلم)، أي: أن ينزل. الجوهري: "قد ألم به، أي: نزل به".
قوله: (وأن يلقي ذهنه)، عطف على قوله: أن يكون مهيباً" على سبيل البيان، يدل عليه قوله: "أن جبار السموات يخاطبه"، أي: به، لا على قوله: "أن يلمّ" لفساد المعنى.