فإن قلت: كيف قيل (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلاَّ مِن ضَرِيعٍ) وفي الحاقة (ولا طَعَامٌ إلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ) [الحاقة: ٣٦] قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات؛ فمنهم. أكلة الزقوم، ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع: (لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ). (لا يُسْمِنُ) مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام، أو ضريع، يعني: أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس، وإنما هو شوك، والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به. وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه: وهما إماطة الجوع، وإفادة القوّة والسمن في البدن. أو أريد: أن لا طعام لهم أصلاً: لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلاً عن الإنس؛ لأن الطعام ما أشبع أو أسمن، وهو منهما بمعزل، كما تقول: ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد: نفي الظل على التوكيد. وقيل: قالت كفار قريش: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت (لا يُسْمِنُ) فلا يخلو: إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك وهو الظاهر، فيرد قولهم بنفي السمن والشبع، وإما أن يصدقوا فيكون المعنى: أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع.
[(وجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ • لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ • فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ • لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً • فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ • فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ • وأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ • ونَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ • وزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) ٨ - ١٦]
(نَّاعِمَةٌ) ذات بهجة وحسن، كقوله: (تَعْرِفُ فِي وجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [المطففين: ٢٤] أو متنعمة. (لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) رضيت بعملها لما رأت ما أداهم إليه من الكرامة والثواب. (عَالِيَةٍ) من علو المكان أو المقدار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك) إلى آخره، الانتصاف: "فعلى الأول يكون صفة لازمة شارحة لحقيقة الضريع، وعلى الثاني صفة مخصصة".