وقال: لا تزد الظالمين إلا ضلالاً، أي: قال هذين القولين، وهما في محل النصب، لأنهما مفعولا (قَالَ) كقولك: قال زيد: نودي للصلاة وصل في المسجد؛ تحكي قوليه معطوفاً أحدهما على صاحبه.
فإن قلت: كيف جاز أن يريد لهم الضلال ويدعو الله بزيادته؟
قلت: المراد بالضلال: أن يخذلوا ويمنعوا الألطاف، لتصميمهم على الكفر ووقوع اليأس من إيمانهم، وذلك حسن جميل يجوز الدعاء به، بل لا يحسن الدعاء بخلافه. ويجوز أن يريد بالضلال: الضياع والهلاك، لقوله تعالى: (ولا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إلاَّ تَبَارًا) [نوح: ٢٨].
[(مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ الله أَنصَارًا • وقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا • إنَّكَ إن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ ولا يَلِدُوا إلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا) ٢٥ - ٢٧]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فحكى الله تعالى الكلامين وعطف أحدهما على الآخر؛ فالواو في قوله: ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ﴾ من كلام الله لا من كلام نوح، ومن ثم فُسِّر المعنى، وقدره بقوله: "أي: قال هذين القولين".
ولو كان الواو من كلامه عليه السلام، لكان المقول واحداً، ألا ترى كيف جعل ما بعد ﴿قَالَ﴾، وهو ﴿رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾، وما عطف عليه من قوله: ﴿وَاتَّبَعُوا﴾ و ﴿وَمَكَرُوا﴾ و ﴿وَقَالُوا﴾، قولاً واحداً؟ ولعل قصده في ذلك: أن الجملة الثانية مُسببة عن الأولى، فكان حقها الفاء، أي: رَبِّ إنهم عصوني، فلا تزدهم إلا ضلالاً، فتركت لمكان الاستئناف، أي: فما تُريد بهذا القول؟ فقال: لا تزد. ويمكن أن تجعل الواو من كلامه عليه السلام، ويفوض الترتيب إلى ذهن السامع.
قوله: (المراد بالضلال أن يخذلوا)، الانتصاف: "هذا من قاعدته: التي عُرف فسادها.