وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار. وعن بعض الحكماء، أنه حدث عن البعير وبديع خلقه، وقد نشأ في بلاد لا إبل بها، ففكر ثم قال: يوشك أن تكون طوال الأعناق، وحين أراد بها أن تكون سفائن البر صبرها على احتمال العطش؛ حتى إن أظماءها لترتفع إلى العشر فصاعداً، وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز مما لا يرعاه سائر البهائم. وعن سعيد بن جبير قال: لقيت شريحاً القاضي فقلت: أين تريد؟ قال: أريد الكناسة: قلت: وما تصنع بها؟ قال: أنظر إلى الإبل كيف خلقت.
فإن قلت: كيف حسن ذكر الإبل مع السماء والجبال والأرض ولا مناسبة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (برأها)، أي: خلقها. الجوهري: "برأ الله الخلق برءاً، والبرية: الخلق". قال المصنف: "البارئ: هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت".
قوله: (لتنوء بالأثقال)، الجوهري: "ناء بالحمل: إذا نهض به مثقلاً، وناء به الحمل إذا أثقله". يعني: الحكمة في خلق طول أعناقها، اقتدارها على النهوض بالأحمال الثقيلة؛ فإن الأعناق وعليها الرؤوس مع تلك الأثقال، كالقرسطون تجعل فيه القناطير، ويجعل في أقصاه مقدار يسير، فيوازي ذلك الثقيل باستعانة الطول فيه.
قوله: (لترتفع إلى العشر)، الجوهري: "العشر بالكسر: ما بين الوردين، وهو ثمانية أيام، لأنها ترد اليوم العاشر. وكذلك الأظماء كلها بالكسر. وليس لها بعد العشر اسم إلا في العشرين، فإذا وردت يوم العشرين قيل: ظمؤها عِشْران، وهو ثمانية عشر يوماً. فإذا جاوزت العشرين فليس لها تسمية، فإنما حوازي بالحاء والزاي. حوز الإبل: ساقها إلى الماء.
قوله: (الكناسة)، الجوهري: "هي القمامة، وهي اسم موضع في الكوفة".