والمعنى: أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق، حتى لا ينكروا اقتداره على البعث فيسمعوا إنذار الرسول ﷺ ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه. أي: لا ينظرون، فذكرهم ولا تلح عليهم، ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يذكرون، (إنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ) كقوله: (إنْ عَلَيْكَ إلاَّ البَلاغُ) [الشورى: ٤٨]. (لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ) بمتسلط،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق، حتى لا ينكروا اقتداره على البعث)، بيان لتوافق نظم الآيات بفاتحة السورة، وأن الخطاب بقوله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ مع العرب، وأن هذه الأشياء المذكورة منتظمة على حسب عُرفهم، وما ثبت في متخيلاتهم في أوديتهم وبواديهم، نبهتهم أولاً بقوله ﴿هَلْ أَتَاكَ﴾، وفخم المستفهم منه وعظمه؛ إذ المعنى: تنبهوا لهذا الأمر الخطير والخطب الجسيم، وهُبوا من رقدة الغفلة، فخوفهم بالصلي في النار وبإطعام الضريع، ولما كان حديثاً مناسباً للإبل كما قال، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطباً، وأراد أن يقرر ذلك، أتى تنبيه آخر على سبيل النظر، ليضم شاهد العقل مع شاهد النص، وأسس الدلائل والشواهد على حسب ما ألفوه في بواديهم وأوديتهم، وعدل من الخطاب إلى الغيبة توبيخاً لهم وتنبيهاً على مظان الافتكار، فقال: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ إلى آخره. قال الإمام: "لعل الحكمة في ذكر هذه الأشياء المتباينة على أن هذا الوجه من الاستدلال، غير مختص بنوع دون نوع، بل هو عام في الكل كقوله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِي﴾ [الإسراء: ٤٤]، ولو ذكر نوعاً أو نوعين وراعى بينهما المناسبة لم يكن كذلك، بل ذكر أموراً متباعدة جداً، ليؤذن بأن الأجرام العلوية والسفلية، عظيمها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، متساوية في الدلالة على الصانع الحكيم. وهذا وجه حسن مقبول وعليه الاعتماد".
قوله: (﴿بِمُصَيْطِرٍ﴾: بمتسلط)، الجوهري: "المصيطر والمسيطر: المسلط على الشيء