قلت: لأن كل واحد منهما اختبار للعبد، فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر؟ وإذا قدر عليه فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع؟ فالحكمة فيهما واحد، ونحوه قوله تعالى: (ونَبْلُوكُم بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: ٣٥].
فإن قلت: هلا قال: فأهانه وقدر عليه رزقه، كما قال فأكرمه ونعمه؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هلا قال: فأهانه وقدر عليه رزقه)، يعني: وجه التوافق بين القرينتين أن يقال: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه، فيقول: ربي أكرمني. وأما إذا ما ابتلاه ربه فأهانه وقدر عليه رزقه، فيقول: ربي أهانني. فلم ترك مردوف ﴿قُدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾، وهو "فأهانه"؟
وخلاصة الجواب: أن سعة الرزق، إن عُد إكراماً، لكن تضييقه ليس بإهانة. وقلت: الأمر عند العارفين والمحققين بالعكس، قال الزجاج: "هذا يعني به الكافر، تكون الكرامة والهوان عنده بكثرة حظوظ الدنيا وقلته. وصفة المؤمن أن الإكرام عنده توفيق الله إلى ما يؤديه إلى حظ الآخرة". فإذن: التقدير ما ذكره محيي السنة: "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه بالنعمة، فأكرمه بالمال ووسع عليه، فيقول: ربي أكرمني بما أعطاني. وأما إذا ما ابتلاه بالفقر، فقدر عليه رزقه، أي: أعطاه ما يكفيه أو ضيق عليه، فيقول: ربي أذلني بالفقر". ويعضده ما رويناه عن سيد الخلق أنه قال: "عَرض عليَّ ربي بطحاء مكة ذهباً، فقلت: لا يا رب، أشبع يوماً وأجوع يوماً، فإذا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك". أخرجه الترمذي عن أبي أمامة.
قال حجة الإسلام: "بلغنا أنهم كانوا إذا سُلك بهم سبيل الرخاء حزنوا وأشفقوا، وقالوا: ما لنا والدنيا؟ وما يراد بنا؟ فكأنهم كانوا على جناح خوف. وإذا سُلك بهم سبيل