..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالمصدر الذي هو عذاب مضاف إلى المفعول به. والوثاق أيضاً في موضع الإيثاق". وقال ابن الحاجب في "الأمالي": "العامل في الظرف "يعذب"، وقد جاء ما بعد النفي عاملاً في الظرف في مواضع، والضمير في "عذابه" في قراءة الكسر للإنسان المتقدم ذكره، ولا يحسن أن يكون لله، لأن المعنى: لا يعذب يوم القيامة عذاب الله أحد، فلا يقوى المعنى لما سيق له، وهو تعظيم عذاب الله لهذا الإنسان أكثر من عذاب غيره".
وقلت: ويوافقه أيضاً معنى القراءة بالفتح ويساعده النظم؛ فإن المعنى: كل واحد من الزبانية يعذب أهل النار أنواعاً من الأعذبة، لكن لا يعذب أحد منهم أحداً عذاباً مثل عذاب هذا الإنسان، الذي طغى وتكبر وتجبر، وقابل إكرام الله إياه وإفضاله بالكفران، ومنع من إكرام اليتيم والحض على طعام المسكين، بل أكل نصيبه ونصيب الأيتام من الميراث أكلاً لماً كالأنعام، وأحب المال حباً جماً شديداً مع الشره والحرص، فكما جمع بين هذه الرذائل، يُجمع له بين ما لا نهاية له من التنكيل.
ويمكن أن يقال: إن المراد بالإنسان أُمية بن خلف وذووه لما قال، وقيل: هو أمية بن خلف، وكما قال: إن قوله ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ﴾، متصل بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾. وتحريره أنه تعالى لما بين ما فعل بأولئك الطغاة من قوم عاد وثمود وفرعون، حيث صب عليهم سوط عذاب، أتبعه قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ تخلصاً. أي: فعل بأولئك ما فعل، وهو ترصد هؤلاء الكفار الذين طغوا على أفضل البشر وسيد الرسل، وامتنعوا مما جاء به من المر بمكارم الأخلاق ومعالي الأمور، والنهي عن سَفسافها ورذائلها، فيصب عليهم في الدنيا سوط عذاب، ويعذبهم في الآخرة عذاباً فوق كل عذاب، وإليه لمح بقوله: "لتناهيه في كفره وعناده".