فإن قلت: بم علم أن أولادهم يكفرون، وكيف وصفهم بالكفر عند الولادة؟
قلت: لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فذاقهم وأكلهم وعرف طباعهم وأحوالهم، وكان الرجل منهم ينطلق بابنه إليه، ويقول: احذر هذا، فإنه كذاب، وإن أبى حذرنيه فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك؛ وقد أخبره الله عز وجل أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن؛ ومعنى (ولا يَلِدُوا إلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا): لا يلدوا إلا من سيفجر ويكفر، فوصفهم بما يصيرون إليه، كقوله عليه السلام: «من قتل قتيلا فله سلبه».
[(رَبِّ اغْفِرْ لِي ولِوَالِدَيَّ ولِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا ولِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ ولا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إلاَّ تَبَارًا) ٢٨]
(ولِوَالِدَيَّ) أبوه لمك بن متوشلخ، وأمه شمخا بنت أنوش، كانا مؤمنين. وقيل: هما آدم وحواء. وقرأ الحسين بن علي: «ولولدي»، يريد: ساماً وحاماً. (بَيْتِيَ) منزلي، وقيل: مسجدي، وقيل: سفينتي؛ خص أولا من يتصل به؛ لأنهم أولى وأحق بدعائه، ثم عم المؤمنين والمؤمنات. (تَبَارًا) هلاكاً.
فإن قلت: ما فعل صبيانهم حين أغرقوا؟
قلت: غرقوا معهم لا على وجه العقاب، ولكن كما يموتون بالأنواع من أسباب الموت، وكم منهم من يموت بالغرق والحرق،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (غَرِقوا معهم لا على وجه العقاب، ولكن كما يموتون)، الانتصاف: "لما علل أحكام الله تعالى بالمصالح، ورُدَّ عليه أن أطفال قوم نوح لم يعملوا ما يقتضي العقوبة، فاجترأ على إنكار عقوبة الأطفال. وأما أهل السنة فقائلون: لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون".