على أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد؛ واعترض بأن وعده فتح مكة تتميمًا للتسلية والتنفيس عنه. فقال: وأنت حل بهذا البلد، يعنى: وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر. وذلك أنّ الله فتح عليه مكة وأحلها له، وما فتحت على أحٍد قبله ولا أحلت له فأحل ما شاء وحرّم ما شاء؛ قتل ابن خطٍل وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقبس بن صبابة وغيرهما، وحرّم دار أبى سفيان، ثم قال: "إنّ الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحٍد قبلي ولن تحل لأحٍد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعةً من نهار، فلا يعضد شجرها،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فسر "وأنت حِلٌ" بقوله: "إن مثلك على عظم حُرمتك"، وجعله من باب: أنت تجود، وقد مر غير مرة أن "أنت"، إذا بُني عليه الخبر في مقام التعظيم، نظير "مثل" في: مثلك يجود. وفائدة الاعتراض إرادة التثبيت من الرسول؟، لجعل حاله مؤكدة للحكم العام الذي عليه جبلة جنس الإنسان، وتعجيب من حال كفار مكة حيث صلحت أن يستشهد بها لذلك. وعلى الثاني راجعة إلى تعظيم المقسم به، ثم إلى تعظيم الرسول؟ تسلية، ولذلك أتى بلفظة "هذا" دلالة على كمال التمييز كقوله:
هذا أبو الصقر فرداً من محاسنه
ولا شك أن ترك استحلال البلد تعظيم شأنه، ثم أكد تلك الحُرمة بقوله: ﴿وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾، أي: أنت على الخصوص تستحله دون غيرك لجلالة شأنك، كما جاء: "لم تَحِلَّ لأحد قبلي ولا لأحد بعدي"؛ و"أنت" على هذا من باب التقديم للاختصاص، نحو: أنا عرفت، ولذلك كانت المعترضة تتميماً للتسلية، قال الواحدي: "إن الله تعالى لما ذكر القسم بمكة، دل ذلك على عظم قدرها مع كونها حراماً، فوعد نبيه؟ أن يحلها له يقاتل فيها، وأن يفتحها على يده ويكون بها حِلاً".
قوله: (فلا يعضد شجرها)، النهاية: "يعضد: يقطع، يقال: عضدت الشجر أعضده


الصفحة التالية
Icon