قلت: هي متكررة في المعنى؛ لأن معنى (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) فلا فك رقبةً، ولا أطعم مسكينًا. ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك. وقال الزجاج قوله: (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) يدل على معنى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)، ولا آمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ} [النساء: ٧٥]، يصح أن يكون في موضع الحال، أي: ما لكم غير مقاتلين. وقد يكرر ﴿لَا﴾ في المتضادين ويراد إثبات الأمر فيهما جميعاً، نحو: زيد ليس بمقيم ولا ظاعن، أي: يكون تارة كذا وتارة كذا. وقد يقال ذلك ويراد إثبات حالة بينهما، نحو أن يقال: ليس بأبيض ولا أسود، وقوله تعالى: ﴿لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ [النور: ٣٥]، فقد قيل: معناه: إنها شرقية وغربية، وقيل: معناه: مصونة عن الإفراط والتفريط".
قوله: (ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك)، يريد أن المفسِّر والمفسَّر واحد؛ فإن قوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾ منفي عن تلك العقبة، لأن المعرَّف باللام إذا أعيد معرفاً كان الثاني عين الأول، فتكون الجملة معترضة مُقحمة لبيان العقبة، مقررة لبيان معنى الإبهام والتفسير؛ فإن ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ مفسر بقوله ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ (أَوْ إِطْعَامٌ﴾، والمفسَّر منفي، والمفسِّر كذلك لاتحادهما في الاعتبار، كأنه قيل: غلا فك رقبة، ولا أطعم مسكيناً.
قوله: (وقال الزجاج: قوله ﴿ثُمَّ كَانَ﴾)، هذا وجه آخر، وصورة كلامه أنه قال: "قلما يتكلم العرب في مثل هذا المكان إلا بـ (لا) مرتين أو أكثر، فلا تقول: لا جئتني، تريد: ما جئتني. وإن قلت: لا جئتني ولا زُرتني صلح. وهذا التكرير هاهنا موجود، لأن قوله: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يدل عليه، كأنه قال: فلا اقتحم العقبة ولا آمن". وقلت: فعلى هذا يكون من اللف التقديري، لأن الضمير في ﴿كَانَ﴾ للمذكور، ولا يمكن الإيمان داخلاً


الصفحة التالية
Icon