وأما قول من زعم أنّ الضمير في زكى ودسي لله تعالى، وأنّ تأنيث الراجع إلى من؛ لأنه في معنى النفس: فمن تعكيس القدرية الذين يورّكون على الله قدرًا هو بريء منه ومتعاٍل عنه، ويحيون لياليهم في تمحل فاحشةٍ ينسبونها إليه.
فإن قلت: فأين جواب القسم؟
قلت: هو محذوف تقديره: ليدمدمنّ الله عليهم، أي: على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما دمدم على ثمود؛ لأنهم كذبوا صالحًا. وأما (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) فكلام تابع لقوله: (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شيء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراغب: "تزكية الإنسان نفسه ضربان: أحدهما بالفعل وهو محمود، وإليه قصد بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾، وقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ [الأعلى: ١٤]. والثاني بالقول، وأما قول كتزكية العدل غيره، وهو مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه، قال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: ٣٢]. ونهيه عن ذلك تأديب لقبح مدح الإنسان نفسه عقلاً وشرعاً، ولذلك قيل: لحكيم: ما الذي لا يحسن وإن كان حقاً؟ قال: مدح الرجل نفسه". وقال أيضاً: "الخيبة: فوت المطلوب، قال تعالى: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥]، ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ ".
قوله: (يُوركون)، أي: ينسبون ويُضيفون إليه. الجوهري: "ورك فلان ذنبه على غيره: أي قرفه به".
قوله: (تقديره: ليُدمدمن الله عليهم)، قال الزجاج: "الجواب: قد أفلح، أي: لقد أفلح؛ حذفت اللام لطول الكلام"، وتبعه القاضي ثم قال: "كأنه لما أراد به الحث على تكميل


الصفحة التالية
Icon