ولما ادّخر له من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلا الله. قال ابن عباٍس رضي الله عنهما: له في الجنة ألف قصٍر من لؤلٍؤ أبيض ترابه المسك.
فإن قلت: ما هذه اللام الداخلة على سوف؟
قلت: هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك، كما ذكرنا في: لا أقسم، أن المعنى: لأنا أقسم؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولما ادخر له من الثواب)، عطف على قوله: (لما أعطاه في الدنيا). واعلم أنه راعى في هذه المعطوفات ترتيباً غريباً، لأن الموعد إما أمر يتعلق بالدنيا أو بالآخرة؛ فما يتعلق بالدنيا: أما ما يختص به صلوات الله عليه، فهو الذي أراده بقوله: "من الفلج والظفر بأعدائه". أو بخلفائه الراشدين، فهو قوله: "ما فتح في أقطار الأرض من المدائن". أو بأمته من بعده، فهو المراد كم قوله: "ما قذف في قلوب أهل الشرق والغرب"، إلى قوله: "واستيلاء المسلمين"، لأن ما يختص بالأمة إما النهب أو الإستيلاء، لأنهم ما فتحوا المشرف والمغرب. ولما فرغ من ذكر أحوال الدنيا وشرع في أحوال الآخرة، أعاد اللام في المعطوف ليؤذن بالفرق بين المعطوفات، فظهر من هذا أن قوله: "وفشو الدعوة"، عطف على "الإسلام"، أي: تهيب فشو الدعوة والاستيلاء.
قوله: (هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف)، قال ابن الحاجب: "هي لام التأكيد وليست لام الابتداء. وقول من قال: إنها لام الابتداء دخل على الخبر بعد حذف المبتدأ فاسد، لأن اللام مع المبتدأ كـ "قد" مع الفعل و "إن" مع الاسم، فكما لا يحذف الاسم والفعل وتبقى "إن" و"قد"، كذلك لا تبقى اللام بعد حذف الاسم. وأيضاً اللام في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ [النحل: ١٢٤]، لمجرد التأكيد، مثلها في قولك: إن زيداً لقائم، ولا يصح أن تكون للحال، لأن المعنى هو الاستقبال. وقد صرح في "مفصله": "ويجوز عندنا: إن زيداً لسوف يقوم، ولا يجيزه الكوفيون"، ولو كانت للحال لتناقض مع (سوف) ".


الصفحة التالية
Icon