ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يَتِيمًا فَآوَى}، موقع الحكم الذي ترتب على الوصف المناسب، فيجب المداومة عليه، لأن معنى "أما" الشرطية على تفسير سيبويه، في نحو قولهم: أما زيد فذاهب، هو: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب. وفائدته التوكيد، يعني أنه لا محالة ذاهب، وأنه منه عزيمة، ولذلك قال: "وعلى ما خَيَّلت، أي: النفس، فلا تنس رحمة الله". وقيل: فاعل "ما خَيَّلت" الحال، أي: على أي حال كنت، يقولون: افعل على ما خَيَّلته، أي: ما شُبهت الحال. واعلم أن في كلامه إشعاراً بأن قوله: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾، جاء مقابلاً لقوله: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾، وقوله: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾، مقابلاً لقوله: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾، لقوله: "وترحم على السائل كما رحمك ربك فأغناك". وأما قوله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾، فجيء على العموم، فدخل تحته مفهوم القرينة الثانية، وهو قوله: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ أول شيء، وإليه الإشارة بقوله: "وحدث بنعمة الله كلها، ويدخل تحته هدايته الضلال، وتعليمه الشرائع والقرآن، مقتدياً بالله في أن هداه من الضلال".
وقلت: الظاهر أن المراد بالسائل طالب العلم لا المستجدي، ولذلك أتى بكلمة التنبيه وحرف الاستدراك في قوله: "أما إنه ليس بالسائل المستجدي، ولكن طالب العلم"؛ فالجمل الثلاث المصدرة بـ "أما"، كالتفصيل لتلك الحالات الثلاث على الترتيب، ولذلك أتى بالفاء في الأولى، وعطف الآخران عليها بالواو. نعم، الثالثة من الجوامع التي تشتمل على المذكورات وغير المذكورات. ويؤيد هذا التأويل، ما رواه الإمام عن الحسن أنه قال: "المراد من السائل من يسأل العلم، ونظيره من وجه: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ [عبس: ١]، وحينئذ يحصل الترتيب،