فإن قلت: فما المراد باليسرين؟
قلت: يجوز أن يراد بهما ما تيسر لهم من الفتوح في أيام رسول الله ﷺ وما تيسر لهم في أيام الخلفاء، وأن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة، كقوله تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ)] التوبة: ٥٢ [وهما حسنى الظفر وحسنى الثواب.
فإن قلت: فما معنى هذا التنكير؟
قلت: التفخيم، كأنه قيل: إن مع العسر يسرًا عظيمًا وأاي يسر، وهو في مصحف ابن مسعوٍد مرةً واحدة.
فإن قلت: فإذا ثبت في قراءته غير مكرر، فلم قال: والذي نفسي بيده، لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، إنه لن يغلب عسر يسرين؟
قلت: كأنه قصد باليسرين: ما في قوله: (يُسْراً) من معنى التفخيم، فتأوله بيسر الدارين، وذلك يسران في الحقيقة.
[(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ)] ٧ - ٨ [.
فإن قلت: فكيف تعلق قوله: (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) بما قبله؟
قلت: لما عدد عليه نعمه السالفة ووعده الآنفة، بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة والنصب فيها، وأن يواصل بين بعضها وبعض، ويتابع ويحرص على أن لا يخلى وقتًا من أوقاته منها، فإذا فرغ من عبادة ذنبها بأخرى. وعن ابن عباس: فإذا فرغت من صلاتك فاجتهد في الدعاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فما معنى هذا التنكير؟ )، دل الفاء على إنكار، يعني: إذا أُريد باليسرين ما ذكرت من الوجهين، فالواجب أن يجاء بهما معرفتين، فما معنى التنكير؟
قوله: (فإذا فرغت من صلاتك فاجتهد في الدعاء)، عطف على قوله: "فإذا فرغ من عبادة ذَنَّبَها بأخرى"، فقوله ﴿فَرَغْتَ فَانصَبْ﴾ كلاهما مطلقان؛ يجوز أن يجريا على إطلاقهما بأن