فمنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم ومولد عيسى ومنشؤه، والطور: المكان الذي نودي منه موسى، ومكة: مكان البيت الذي هو هدًى للعالمين، ومولد رسول الله ﷺ ومبعثه. (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) في أحسن تعديل لشكله وصورته وتسوية لأعضائه. ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمة تلك الخلقة الحسنة القويمة السوية، أن رددناه أسفل من سفل خلقًا وتركيبًا، يعنى: أقبح من قبح صورةً وأشوهه خلقة، وهم أصحاب النار أو أسفل من سفل من أهل الدركات. أو ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في حسن الصورة والشكل: حيث نكسناه في خلقه، فقوّس ظهره بعد اعتداله، وابيض شعره بعد سواده، وتشنن جلده وكان بضًا، وكلّ سمعه وبصره وكانا حديدين، وتغير كل شيء منه؛ فمشيه دليف، وصوته خفات، وقوته ضعف، وشهامته خرف. وقرأ عبد الله: (أسفل السافلين).
فإن قلت: فكيف الاستثناء على المذهبين؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (تشنن)، الأساس: "تشنن جلده من الهرم، أي: تشنج ويبس. ويقال: شيخ كالشن البالي".
قوله: (بضًّا)، بالباء الموحدة من تحت والضاد المعجمة. الأساس: "قال الأصمعي: أبيض بض. وهو الشديد البياض. وقال المبرد: هو الرقيق البشرة الذي يؤثر فيه كل شيء. وامرأة غَضة بَضة".
قوله: (فمشيه دليف)، الدليف: المشي الرُّويد. الأساس: "دلف الشيخ والمقيد دليفاً ودلوفاً، وهو فوق الدبيب".
قوله: (خَرَف)، الخرف بالتحريك: فساد العقل.
قوله: (فكيف الاستثناء على المذهبين)، عن بعضهم: أراد الحجازية والتميمية وليس بذلك، بل على الوجهين المذكورين كما ينبئ عنه الجواب ودخول الفاء في السؤال.


الصفحة التالية
Icon