فإن قلت: لم قال (مِنْ عَلَقٍ) على الجمع، وإنما خلق من علقة، كقوله: (مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَة)؟
قلت: لأن الإنسان في معنى الجمع، كقوله: (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)] العصر: ٢ [. (الْأَكْرَمُ) الذي له الكمال في زيادة كرمه على كل كرم، ينعم على عباده النعم التي لا تحصى، ويحلم عنهم فلا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وجحودهم لنعمه وركوبهم المناهي واطراحهم الأوامر، ويقبل توبتهم ويتجاوز عنهم بعد اقتراف العظائم، فما لكرمه غاية ولا أمد، وكأنه ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم، حيث قال: (الأكرم الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)، فدلّ على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلق الإنسان، كأنه قيل: اقرأ لأجل أنه خلقك للقراءة كما قال ثمة، وأخر ذكر ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ﴾ عن ذكره، ثم أتبعه إياه ليُعلم أنه إنما خلقه للدين، وليحيط به علماً بوحيه وكتُبه.
قوله: (﴿الْأَكْرَمُ﴾: الذي له الكمال في زيادة كرمه)، الكواشي: "الأكرم: الذي لا يوازيه كريم، ولا يعادله في الكرم نظير. أو أكرم بمعنى كريم". وقوله: "ينعم على عباده" بيان للجملة الأولى.
قوله: (حيث قال: ﴿الْأَكْرَمُ (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾)، يعني لما أطلق ﴿الْأَكْرَمُ﴾ وأبرزه في معرض "أفعل"، ليدل على الكمال في زيادة الكرم، وعلى الأنعام التي لا تُحصى، ثم أردفه بقوله: ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾، وجعله توطئةً وتمهيداً لقوله: ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، عُلِمَ أن ليس وراء التكرم بإفادة الفوائد العلمية تكرم، وفي ذكر بدء حال الإنسان وأخسها وهو كونه علقة، وانتهاء حاله وهو صيرورته عالماً، وإيصاله إلى أعلى المراتب، غاية الامتنان. يعني: كان ذليلاً مَهيناً، فاقتضى كرم الربوبية إلى ارتقائه ذروة العِز والشرف بفضله ولُطفه، ثم في جعل ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾، توطئة إدماج وتنبية على فضل علم الكتابة.


الصفحة التالية
Icon