(أَنْ رءاهُ) أن رأى نفسه. يقال في أفعال القلوب: رأيتني وعلمتني، وذلك بعض خصائصها. ومعنى الرؤية: العلم، ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين. و (اسْتَغْنى) هو المفعول الثاني (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان، تهديدًا له وتحذيرًا من عاقبة الطغيان. والرجعى: مصدر كالبشرى بمعنى الرجوع. وقيل: نزلت في أبى جهل، وكذلك (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى). وروى: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزعم أن من استغنى طغى، فاجعل لنا جبال مكة فضةً وذهبًا، لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك، فنزل جبريل فقال: إن شئت فعلنا ذلك، ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب المائدة، فكف رسول الله ﷺ عن الدعاة إبقاء عليهم. وروى عنه لعنه الله أنه قال: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم. قال: فو الذي يحلف به، لئن رأيته توطأت عنقه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلمناه ما لم يعلم، ليشكر تلك النعمة الجليلة، فطغى وكفر، ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (أَن رَأَىهُ اسْتَغْنَى﴾. وكذلك اللاحق وهو التعليل بقوله: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (أَن رَأَىهُ اسْتَغْنَى﴾، فيقدر بعد قوله ﴿مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، ما يصح أن يكون ﴿كَلَّا﴾ ردعاً له. فعلى هذا، يحسن الوقف على ﴿كَلَّا﴾. وفي "الكواشي": "يجوز أن يكون ﴿كَلَّا﴾ تنبيهاً فيقف على ما قبلها، وردعاً فيقف عليها". وفي "المرشد": "الوقف على ﴿مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ تام. قالوا: أول ما نزل من القرآن هذه السورة، فلما بلغ هذا الموضع جبريل طوى النمط، فحكى الفراء بأنه وقف تام، لقطع جبريل عليه السلام الكلام عنده، ولأن الكلام تمام لا يحتاج إلى غيره".
قوله: (وروي عنه لعنه الله)، أي عن أبي جهل. الحديث مختصر من رواية الإمام أحمد ابن حنبل والبخاري عن أبي هريرة.
قوله: (قال: فوالذي يحلف به)، أي: فوالذي يحلف به أبو جهل. قال المصنف: "يحكي الراوي حلفه، كي لا يذكر اللات والعُزى الذي يحلف به".