قرأ نافع: (البريئة) بالهمز؛ والقرّاء على التخفيف. والنبيّ، والبرية: مما استمر الاستعمال على تخفيفه ورفض الأصل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسط بين الكلامين النعي على أهل الكتاب خاصة، وأظهر أنهم أشد غياً وعناداً، حيث خالفوا مع ما يوجب الموافقة، والله أعلم.
قوله: (والقُراء على التخفيف)، أي: مُطبقون متفقون على التخفيف، سوى نافع وابن ذكوان عن ابن عامر. وطُعن بقوله: "والنبي، والبرية: مما استمر الاستعمال على تخفيفه ورفض الأصل" على قراءة نافع. قيل: الطعن مردود عليه، لأن تخفيف الهمزة في "نبي" و"برية"، إنما يُتصور على قول من يقول: إن نبياً مشتق من النبأ، والبرية من برأ الله الخلق. وأما من يرى أن النبي من النبوة وهو الارتفاع، والبرية من البرى وهو التراب، فلا مدخل لهما في الهمزة أصلاً، فلا يصح قوله: "استمر تخفيفه ورُفض الأصل". ثم لو سُلم أنه من الهمز، فلا يستمر أيضاً، لأنه قد ثبت أنهم يقولون: نبيئاً وبريئة، فكيف يصح دعوى التزام البراءة والتَّرك مع ثبوتها؟ بل نافع مقدم على جميع القراء، وقد قدمه الشيخ الشاطبي على القُراء كلهم، وقال فيه رحمه الله تعالى:
فأما الكريم السِّر في الطيب نافع فذاك الذي اختار المدينة منزلا
روى أنه إذا كان إذا قرأ القرآن، يفوح طيب المسك من فيه، فقيل له: أتتطيب للقراءة؟ فقال: لا، ولكن رأيت النبي؟ في المنام، فتفل في فيَّ، فكلما قرأت القرآن يفوح ريح المسك من فيَّ. قال صاحب "النهاية": "قيل: إن النبي مشتق من النباوة، وهي الشيء المرتفع، ومنه حديث البراء قال: قلت: ورسولك الذي أرسلت، فرد عليَّ وقال: ونبيك الذي أرسلت. وإنما رد ليختلف اللفظان ويجمع له الثناءين: معنى النبوة والرسالة، ويكون تعديداً للنعمة في الحالين.


الصفحة التالية
Icon