قلت: قد حذف أوّلهما، والثاني: (أخبارها)، وأصله تحدث الخلق أخبارها؛ إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيما لليوم.
فإن قلت: بم تعلقت الباء في قوله: (بِأَنَّ رَبَّكَ)؟
قلت: بتحدّث، معناه: تحدّث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها، وأمره إياها بالتحديث. ويجوز أن يكون المعنى: يومئذ تحدث بتحديث أنّ ربك أوحى لها أخبارها،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أُجري مجرى أعلمت لموافقته له في معناه، فعُدي بتعديه". قال صاحب "الإقليد": "الأصل في أنبأ ونبأ، وأخبر وخبر، التعدي إلى مفعول واحد، نحو: أنبأت زيداً بكذا، ثم حُذف الجار فيقال: أنبأته كذا، وفي التنزيل: ﴿مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا﴾ [التحريم: ٣]، أي: بهذا، ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الحجر: ٤٩]؛ فإذا عُديت إلى ثلاثة، فليس إلا لإجرائها مجرى أعلمت". فظهر أن سؤال المصنف مبني على هذا، وجوابه يدل عليه حيث صرح بقوله: "كأنه قيل: يومئذ تحدث أخبارها، بأن ربك أوحى لها؛ لأنك تقول: حدثته كذا وحدثته بكذا".
قوله: (إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار)، أي: الغرض في الآية هو المفعول الثاني لا الأول، لأن السورة مسوقة في هول القيامة، أي: يوم عظيم تحدث فيه الجمادات.
قوله: (يومئذ تحدث بتحديث أن ربك أوحى لها أخبارها)، والظاهر أن الباء على هذا كالباء في قولك: لئن لقيت فلاناً، لتلقين به رجلاً متناهياً في الخير. المعنى: يومئذ تحدث بتحديث أن ربك أوحى لها أخبارها المتناهية في بابها، فيكون من باب التجريد، ولذلك قال: "على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها: تحديث بأخبارها"؛ قال في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّ‍ينَ مِيثَاقَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [الأحزاب: ٧]: "أراد


الصفحة التالية
Icon