فكأنه قيل: وأما من خفت موازينه فقد هلك. وقيل: (هاوِيَةٌ) من أسماء النار، وكأنها النار العميقة لهوى أهل النار فيها مهوى بعيدًا، كما روى: (يهوى فيها سبعين خريفا) أي: فمأواه النار. وقيل: للمأوى: أمّ، على التشبيه؛ لأنّ الأمّ مأوى الولد ومفزعه. وعن قتادة: فأمّه هاوية، أي: فأمّ رأسه هاوية في قعر جهنم، لأنه يطرح فيها منكوسًا. (هِيَهْ) ضمير الداهية التي دلّ عليها قوله: (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) في التفسير الأوّل، أو ضمير (هاوية)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حين يرجع، وحُذف لفظة "منه" في الموضعين لدلالة الكلام عليها، كما حُذف من قوله: السمن منوان بدرهم، وفيه معنى التجريد، أي: يبعث الصبح منه مغيراً والليل غانماً.
قوله: (سبعين خريفاً)، عن بعضهم: عُبر بالخريف عن السنة، لأن الثمار والزروع تنمو في هذا الوقت، ويُعبر بآخر الوقت عن كله.
قوله: (في التفسير الأول)، أي: إذا فُسر "أمه هاوية" بالدعاء، ومن قولهم: هوت أمه؛ وإنما جُعل الضمير للداهية، لأن الشخص إذا سقط وهلك وصارت أمه ثكلى وخزيا، فقد أصابته الداهية. وعلى التفسير الثاني: أمه بمعنى المأوى، و ﴿هَاوِيَةٌ﴾ من أسماء النار. وأظهر التفسيرين الأول، لأن ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ مقابل لقوله: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾، والهلاك أنسب إلى العيش لأنه الحياة المختصة بالحيوان، فكما بولغ في القرينة التالية بما أردف به، بولغ في السابقى بالإسناد المجازي.
الراغب: "العيش: الحياة المختصة بالحيوان، وهو أخص من الحياة، لأن الحياة تقال في الحيوان، وفي الباري تعالى، وفي الملك، ويُشتق منه المعيشة لما يتعيش منه، قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: ٣٢]. وقال في أهل الجنة: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾، وقال؟ في الحديث: "لا عيش إلا عيش الآخرة".


الصفحة التالية
Icon