فإن قلت: ما النعيم الذي يسأل عنه الإنسان ويعاتب عليه؟ فما من أحد إلا وله نعيم؟
قلت: هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين، ويقطع أوقاته باللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم والعمل، ولا يحمل نفسه مشاقهما؛ فأما من تمتع بنعمة الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلا لعباده، وتقوّى بها على دراسة العلم والقيام بالعمل، وكان ناهضًا بالشكر، فهو من ذاك بمعزل؛ وإليه أشار رسول الله ﷺ فيما يروى: أنه أكل هو وأصحابه تمرًا وشربوا عليه ماًء فقال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين».
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ (ألهاكم التكاثر) لم يحاسبه الله بالنعيم الذي أنعم به عليه في دار الدنيا، وأعطى من الأجر كأنما قرأ ألف آية».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: هذا هو الذي أراده بقوله: "ويجوز أن يراد بالرؤية العلم والإبصار"، على العطف التفسيري. وقال القاضي: "عين اليقين: الرؤية التي هي نفس اليقين؛ فإن علم المشاهدة أعلى مراتب اليقين".
وقال شيخنا شيخ الإسلام قُدس سِره في "العوارف": "علم اليقين ما كان من طريق النظر والاستدلال، وعين اليقين ما كان من طريق الكشوف والنوال، وحق اليقين ما كان بتحقيق الانفصال عن لوث الصلصال، بورود رائد الوصال. وقال الجنيد: حق اليقين ما يتحقق العبد بذلك، وهو أن يُشاهد الغيوب كما يشاهد المرئيات مشاهدة عيان".
قوله: (هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات)، قال القاضي: "الخطاب بقوله: ﴿ثُمَّ لَتُسْ‍ئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾، مخصوص بكل من ألهاه دُنياه عن دينه، لا بالمؤمنين للقرينة


الصفحة التالية
Icon