وعن الحسن: أنه عاد موسرًا فقال: ما تقول في ألوف لم أفتد بها من لئيم ولا تفضلت على كريم؟ قال: ولكن لماذا؟ قال: لنبوة الزمان، وجفوة السلطان، ونوائب الدهر، ومخافة الفقر. قال: إذن تدعه لمن لا يحمدك، وترد على من لا يعذرك. (كَلَّا) ردع له عن حسبانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم المناسب على الأول أن يجعل ﴿الَّذِي﴾ بدلاً من ﴿كُلِّ﴾، لأن المعنى: ويل للذي جمع مالاً وعدده، وطول بعد ذلك أمله ووقع في الغرور، لأنه حسب أن ماله تركه خالداً في الدنيا. وعلى الثاني أن يجعل نصباً على الذم، لأن المعنى: ويل للطاعن الفاسق، أعني: الذي جرأه على الطعن والفسق، جمع المال والاعتماد على الرجال، ومع ذلك يحسب أن ماله يُخلده في النعيم، ﴿كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾؛ بل الذي يُخلد صاحبه في النعيم المقيم في الجنة، هو العمل الصالح، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٨ - ٨٩]، فحينئذ يحصل من الوجهين نشر لما لف في قوله: "الذي: بدل من "كل"، أو نصب على الذم"، والله أعلم.
قوله: (لم أفتد بها من لئيم)، أي: ما جعلت مالي فداءً لعرضي منه لأسلم من أذاه، وأنشد:
أصون عرضي بمالي لا أُدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال
قوله: (لنبوة الزمان)، الأساس: "نبا عني فلان: فارقني، وبيني وبينه نبوة، وهو يشكو نبوة الزمان وجفوته".
قوله: (﴿كَلَّا﴾: ردع له عن حُسبانه)، قال الإمام: "أي ليس كما ظن أن المال والعدد يُخلِد، بل العلم والصلاح، قال علي رضي الله عنه: "مات خزان المال وهم أحياء والعلماء