وكم ترى من المتسمين بالإسلام، بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة، فيا مصيبتاه! وطريقة أخرى: أن يكون (فَذلِكَ) عطفًا على (الَّذِي يُكَذِّبُ) إمّا عطف ذاٍت على ذات، أوصفةٍ على صفةٍ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الإمام: "اعلم أن إنكار القيامة كالأصل لجميع أنواع الكفر والمعاصي؛ لأنه تعالى جعل علم التكذيب بالقيامة، الإقدام على إيذاء الضعيف ومنع المعروف. يعني أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد، لما صدر عنه ذلك؛ فموجب الذنب هو التكذيب بالقيامة".
قوله: (إما عطف ذات على ذات، أو صفة على صفة)، وعلى الوجه الأول، الفاء جواب شرط محذوف لقوله: "إن لم تعرفه فذلك"، أي: فاعرف أنه ذلك الذي يكذب بالجزاء، فالتعريف في "الذي"، على تقدير الذات للعهد، وعلى تقدير الوصف يحتمل الجنس أيضاً، ولذلك اختلف المفسرون: عن مقاتل: الذي يكذب بالدين، هو العاص بن وائل. وعن السدي ومقاتل: هو الوليد بن المغيرة. وعن ابن عباس: رجل من المنافقين. هذا في "المعالم". وفي الكواشي: "لا تقف على ﴿الْمِسْكِينِ﴾ إن جعلت ﴿الَّذِى﴾ جنساً، وجعلت "المصلين" داخلاً في جملة الكلام. ويكون جواب "أرأيت" - أي متعلقه- محذوفاً، تقديره: ما تقول فيمن يكذب بالحق ويدفع اليتيم ويؤذي المسكين؟ أحسن فعل؟ ! فويل لهم، فوضع "المصلين" موضع لهم".
قلت: من هذا يعلم أن قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ﴾، على الأول منقطع عن الكلام السابق، من حيث إن المراد بالمصلين غير المكذب بالدين، لأنه الكافر كالوليد والعاص، و"المصلون": المسلمون. وإنما جعل المنع بالمعروف والإقدام على إيذاء الضعيف علماً للتكذيب بالجزاء، ليؤذن بأنهما من الشدة والغلظة بمكان ينبغي أن يحترز المؤمنون عن أمثالهما، لأنهما من أوصات الكافرين المكذبين بيوم الدين، وإليه الإشارة بقوله: "فما أشده من كلام، وما أخوفه من مقام!، وأنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان".


الصفحة التالية
Icon