فاجتمعت لك الغبطتان السنيتان: إصابة أشرف عطاء، وأوفره، من أكرم معط وأعظم منعم؛ فاعبد ربك الذي أعزك بإعطائه، وشرفك وصانك من منن الخلق، مراغما لقومك الذين يعبدون غير الله. (وانحر) لوجهه وباسمه إذا نحرت، مخالفا لهم في النحر للأوثان. (إِنَّ) من أبغضك من قومك لمخالفتك لهم، (هُوَ الْأَبْتَرُ) لا أنت؛ لأنّ كل من يولد إلى يوم القيامة من المؤمنين فهم أولادك وأعقابك، وذكرك مرفوع على المنابر والمنار، وعلى لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر، يبدأ بذكر الله ويثنى بذكرك، ولك في الآخرة مالا يدخل تحت الوصف، فمثلك لا يقال له: أبتر، وإنما الأبتر هو شانئك المنسى في الدنيا والآخرة، وإن ذكر ذكر باللعن. وكانوا يقولون: إنّ محمدا صنبور، إذا مات مات ذكره. وقيل: نزلت في العاص بن وائل، وقد سماه الأبتر، والأبتر: الذي لا عقب له، ومنه الحمار الأبتر الذي لا ذنب له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (والمَنَار)، النهاية: «المنَارُ جمع مَنارَة، وهي العلامةُ بين الحدَّيْن. ومنه حديثُ أبي هريرة: "إنّ للإسلامِ صُويّ ومَنارًا"، أي: علاماتٍ وشرائعَ يعرفُ بها». وقيل: المنائرُ: جمعُ المنارةِ التي يُؤذّنُ عليها، والأصلُ: مَناوِر؛ لأنه من النور، بُدّلَ الهمزةُ من الواو، وقد يُشَبَّهُ الأصليُّ بالزائد، كما قالوا: مَصائب، وأصلُه: مَصاوب.
قولُه: (فمثلُك لا يقالُ له: الأبتر)، وهو نحوُ قولك: "مثلُك لا يَبْخل" في الكناية، أي: مَن هو في صفتِك، مِن أن كلِّ مَن يولدُ من المؤمنين إلى آخرِ الدَّهر أولادٌ له، لا يقالُ له: الأبتر.
قولُه: (صُنْبور)، النهاية: «الأبترُ الذي لا عَقِب له. وأصلُ الصُّنْبورِ سَعَفةٌ تَنْبتُ في جِذْعِ النخلةِ لا في الأرض. وقيل: هي النخلةُ المنفردةُ التي يَدِقُّ أسفلُها. أرادوا أنه إذا قُلعَ انقطعَ ذِكرُه، كما يَذْهبُ أثرُ الصُّنبورِ، لأنه لا عقبَ له».


الصفحة التالية
Icon