..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتلك عبادةُ قبل المبعث، يجبُ أن لا يظنوا به عليه السلامُ الإخلالَ بها فأصلُهم حينئذٍ يقتضي أنه -صلى الله عليه وسلم- كانَ قبلَ المبعثِ يعبدُ اللهَ عز وجل، فحافظَ الزمخشريُّ [على] هذا الأصلِ في عدمِ اتْباعِه لنبيٍّ سابق، فأخلَّ بالتفريعِ على أصلِه الآخرِ في وجوبِ العبادةِ بالعقل. والحقُّ أنه -صلى الله عليه وسلم- كانَ متعبدًا قبلَ الوحي ويَتَحنّثُ في غارِ حراء؛ فإنْ كانَ مجئُ قولِه ﴿أَعْبُدُ﴾، لأن الماضي لم تحصلْ فيه العبادةُ المرادةُ في الآية، فيحملُ الأمرُ فيما عَبَدْتُ، على مدموعِ العبادةِ الحاصلةِ التي لم تُعلمْ إلّا بالشرع، لا على مجرّدِ توحيدِ الله ومعرفتِه؛ فإنّ ذلك لم يَزلْ ثابتًا له عليه السلامُ قبل البعثة. وأما مجيئُه مضارعًا، فلتصوير عبادتِه في نفسِ السامعِ وتَمكُّنِها، كقولِه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ [الحج: ٦٣]، والأصلُ: أصبحتْ؛ عُدلَ عنه للمعنى المذكور». وقلتُ: يجوزُ أن يُحملَ على الاستمرارِ في الماضي والآتي بقرينةِ التقابل، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [فاطر: ٢٩]، بعطفِ الماضي على المستقبل. والصحيحُ أنه صلواتُ الله عليه كانَ المبعثِ متعبدًا بشرعٍ.
روى ابنُ الجوزي في كتابِ "الوفا"، عن الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ رحمه اللهُ تعالى: «مَن قالَ: إن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كانَ على دينِ قومِه، فهو قولُ سوء، أليسَ انَ لا يأكلُ ما ذُبحَ على النُّصب؟ وقالَ أبو الوفاءِ عليٌّ بنُ عقيل: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- متدينًا قبلَ بعثتِه، بما يَصحُّ عنده أنه مِن شريعةِ إبراهيم عليه السلام، وأما بعدَ بعثتِه، فهل كانَ يتعبّدُ بشريعةِ مَن قبلَه؟
فيه روايتان: إحداهما: أنه كانَ متعبدًا بما صَحَّ مِن شرائعِ مَن قبلَه بطريقِ الوحيِ إليه،