فإن قلت: فلم جاء على (ما) دون (من)؟
قلت: لأن المراد الصفة، كأنه قال: لا أعبد الباطل، ولا تعبدون الحق. وقيل: إن (ما) مصدرية، أي: لا أعبد عبادتكم، ولا تعبدون عبادتي. (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) لكم شرككم، ولى توحيدي. والمعنى: أنى نبيّ مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحق والنجاة، فإذا لم تقبلوا منى ولم تتبعوني، فدعوني كفافًا ولا تدعوني إلى الشرك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقولُ الثاني: هو أن يُسلَّمَ حصولُ التكرار، وهو لوجهين: أحدُهما أن التكرارَ يفيدُ التوكيد، وكلّما كانتِ الحاجةُ إلى التوكيدِ أشدَّ كانَ التكريرُ أحسن، ولا موضعَ أحوجُ إلى التأكيدِ من هذا المقام؛ لأنهم رجعوا إليه في هذا المعنى مرارًا، وطمعوا فيه لما رأوا فيه من الحرصِ على إبمانهم.
وقالَ محيي السُّنة: «قالَ أكثرُ أهلِ العلم: إن القرآنَ نزلَ بلسانِ العربِ وعلى مجاري خطابِهم، ومن مذاهبِهم التكرارُ وإرادةَ التأكيدِ والإفهام، كما أن من مذاهبِهم الاختصارَ للتخفيفِ والإيجاز».
وقلتُ: هذا الوجهُ هو الذي اخترناه لطباقِه المقام، ثُمّ المختارُ الوجهُ الرابعُ من القولِ الأول.
وثانيهما: أنهم ذكروا تلك الكلمةَ مرتين، يعني: تعبدُ آلهتَنا شهرًا ونعبدُ إلهك شهرًا، وتعبد آهتَنا سنةً ونعبدُ إلهك سنة، فأتى الجوابُ على التكرار على وفِق قولِهم، وفيه ضَربُ من التهكُّم؛ فإنّ مَن كرّرَ الكلمةَ الواحدةَ لغرضٍ فاسد، فإنه يُجازى لدفعِ تلك الكلمةِ على سبيلِ التكرارِ استخفافًا». نقل هذا الوجهَ محيي السُّنةِ عن القُتَيْبي، أخصر منه.
قولُه: (فَدَعوني كَفافًا)، النهاية: «الكَفافُ هو الذي لا يفضُلُ عن الشئ، ويكونُ بقَدرِ


الصفحة التالية
Icon