سنة ثمان، ومع رسول الله ﷺ عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب، وأقام بها خمس عشرة ليلة، ثم خرج إلى هوازن، وحين دخلها وقف على باب الكعبة، ثم قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده"، ثم قال: "يا أهل مكة، ما ترون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا؛ أخ كريم وابن أخ كريم". قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله تعالى أمكنه من رقابهم عنوة، وكانوا له فيئًا، فلذلك سمى أهل مكة الطلقاء، ثم بايعوه على الإسلام، (فِي دِينِ اللَّهِ) في ملة الإسلام التي لا دين له يضاف إليه غيرها، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)] آل عمران: ٨٥ [. (أَفْواجاً) جماعات كثيفة؛ كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعد ما كانوا يدخلون فيه واحدًا واحدًا واثنين اثنين. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه بكى ذات يوم، فقيل له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الأزلِ إلى أوقاتِها المعيَّنةِ لها، فتَقْرُبُ منها شيئًا فشيئًا، أي: قد قربَ النصرُ من وقتِه، فكن مترقّبًا لوروده مستعدًّا لشكره».
وقلتُ: فيه وفي كلامِ المصنِّفِ نَظَر، لأن فتحَ مكةَ مقدّمٌ على نزولِ السورة، لِما روينا عن مسلم، عن عُبيدِ الله بنِ عبدِ الله بنِ عتبة، قال: قالَ لي ابنُ عباس: «أتدري آخرَ سورةٍ نزلتْ من القرآنِ جميعًا؟ » قلتُ: نعم، ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾. قال: "صدقت". وفي كلام المصنّفِ إيذانٌ به، وذلك أنه قال: «وكان فتحُ مكةَ لعشرٍ مَضَيْنَ من شهرِ رمضانَ سنةَ ثمان». وقيل: إنها نزلتْ في أيامِ التشريقِ بمِنىّ في حجّةِ الوداع، وكانتْ حجّةُ الوداعِ في السَّنةِ العاشرة، لأنه صلواتُ الله عليه، مكثَ تسعَ سنينَ ولم يَحجَّ، ثم أُذنَ له في السنةِ العاشرة.
قولُه: (وعن جابِر بنِ عبدِ الله -رضي الله عنه-، أنه بكى ذاتِ يوم)، الحديثُ أخرجَه أحمدُ