..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: ١٩]، أي: استغفرْ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾، و ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [الفتح: ٥].
قلتُ: هذا ممّا يقوي ما آثرناه من التعلّقِ المعنوي؛ لأنك إذا جعلتَ التعلُّقَ فيه لفظيًا، وقعتَ في فيفاءَ، وخبطتَ خبطَ عشواء، ألا ترى كيف قُرِنَ مع ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ قولُه ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وهو عِلةٌ لقولِه ﴿أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: ٤]، المعلَّلِ بقولِه: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا﴾، وعُطفَ عليه ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ﴾، كما قالَ المصنف: «ومن قضيّتِه أن سَكَّن قلوبَ المؤمنين»، إلى قولِه: «فيستحقوا الثوابَ فيثيبَهم، ويعذّبَ الكافرين والمنافقين».
وعلى هذا وردَ ما روينا عن مسلمٍ والترمذي، عن أنس: لَمّا نَزلتْ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ إلى ﴿فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: ١ - ٥]، مَرْجِعَه من الجديبية، وهم يخالطُهم الزنُ والكآبة، وقد نَحَرَ الهَدْيَ بالحُدَيْبية، قالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لقد أُنزلتْ عليَّ آيةٌ هي أحبُّ إلىَّ من الدنيا جميعًا». وفي روايةِ الترمذي: «فقالوا: هنيئًا مريئًا يا رسولَ الله، لقد بَيَّنَ لك اللهُ ما يُفعلَ بك، فماذا يفعلُ بنا؟ » فنزلتْ: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾. ولعلَّ القائلَ لمَّا نَظرَ أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، إذا استغفرَ لذنبِه وذنبِ المؤمنين، لا بُدَّ أن يَغفرَ اللهُ له، ويستجيبَ دعاءَه في حقِّ أُمتِه، كما قالَ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٦٤]، عُلِّق به من حيثُ المعنى، ولأجلِ هذه الدَّقيقة، آثر لفظِ راجعٌ ومردودٌ على متعلق، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon