فإن قلت: لم كناه، والتكنية تكرمه؟
قلت: فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون مشتهرًا بالكنية دون الاسم، فقد يكون الرجل معروفًا بأحدهما، ولذلك تجرى الكنية على الاسم، أو الاسم على الكنية عطف بيان، فلما أريد تشهيره بدعوة السوء، وأن تبقى سمة له، ذكر الأشهر من علميه، ويؤيد ذلك قراءة من قرأ: "يدا أبو لهب"، كما قيل: على بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان؛ لئلا يغير منه شيء فيشكل على السامع، ولفليتة بن قاسم أمير مكة ابنان، أحدهما: عبد الله بالجرّ، والآخر عبد الله بالنصب. كان بمكة رجل يقال له: عبد الله بجرّة الدال، لا يعرف إلا هكذا.
والثاني: أنه كان اسمه عبد العزي، فعدل عنه إلى كنيته.
والثالث: أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب، وافقت حاله كنيته؛ فكان جديرًا بأن يذكر بها. ويقال: أبو لهب، كما يقال: أبو الشر للشرير، وأبو الخير للخير، وكما كنى رسول الله ﷺ أبا المهلب أبا صفرة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (لئلا يُغيّرَ منه شئٌ فيشكلُ على السامع)، "الانتصاف": «وفيهِ دليلٌ على أن الرّفعَ أسبقُ وحوهِ الإعراب، ألا تراهم حافظوا على صورتِه وصيغته، فاشتُهرَ الاسمُ بهذا، وعُدلَ عن اسمِه عبد العُزّى إلى كُنْيتِه لكراهيتِه».
قولُه: (ولِفلِيتةَ)، فَلِيتة: بالفاء المفتوحةِ واللام المكسورة، ويُروى: (ولفُكَيْتة) بالكافِ والتصغير.
قولُه: (وكما كنّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا المهلَّب: أبا صُفرة)، وليسَ في "جامعِ الأصولِ" له ذِكْر. وأما المهلَّبُ، فهو أبو سعيدٍ، المهلّبُ بنُ أبي صُفرة. وأبو صُفرة اسمُه ظالمُ بن سَرَّاق بنِ صبيح~ الأزدي. ومهلَّبُ صاحبُ الحروبِ المشهورة مع الخوارجِ، مات سنةَ ثلاثٍ وثمانين


الصفحة التالية
Icon