..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقتضاه معنى، وخصوصيةُ سؤالِ المشركين، أوجبَ أن يفسّرَ بأنه الخالق، لقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: ٢٥]؛ فاللهُ ها هنا، جوابًا، إشارةٌ لهم إلى مَن هو خالقُ الأشياء؟ وأنتَ تعلمُ أنّ مُصحّحَ الخالقية هو العلمُ والقُدرةُ، فاندرج تحته هاتانِ الصفتان، وإليه الإشارةُ بقولِه: "وفي طيِّ ذلك وَصَفَه بأنه قادرٌ عالم"، ولا يكونُ قادرًا عالماً، حتى يكونَ عالماً حيًّا سميعًا بصيرًا. ثُم عَقبَ هذه الأوصافَ معنى الوحدانية بقولِه: ﴿أَحَدٌ﴾. ولما اقتضى الفردانيةُ قَطْعَ السبيلِ من الغير، أثبتَ له صفةَ الصَّمدانية، ليكون الإلتجاءُ إليه.
ولما عُلم من ذلك ثبوتُ الذاتِ المستلزمةِ للصفاتِ من الخالقيةِ والعالمِيةِ والقادريةِ والحييّةِ والإلهية، أريدَ بيانُ كمالهِا وأنها مباينةٌ لصفاتِ المخلوقاتِ فيما مضى ويُستقبل.
والآن قيل: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)﴾، ولحجةِ الإسلامِ كلامٌ إجماليٌ فيها، قال: «أحدٌ: هو الواحدُ الذي هو مرفوعُ الشركة، والأَحَدُ الذي لا تركيبَ فيه فالواحدُ نفيُ الشريكِ والمثلِ، والأحدُ نفيٌ للكثرةِ في ذاتِه، والصمدُ الغنيُّ المحتاجُ إليه غيرُه، وهو أحديُّ الذاتِ وواحديُّ الصفات، لأنه لو كان له شريكٌ في مُلكِه، لما كانَ غنيًا يحتاجُ إليه غيرُه، بل كانَ محتاجًا في قوامِه ووجودَه إلى أجزاءِ تركيبِه؛ فالصمديّةُ دليلٌ على الوحدانيةِ والأحديةِ، و ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ دليلٌ على أن وجوده المستمرّ، ليس مثل وجود الإنسانِ الذي يبقى نوعُه بالتوالدِ والتناسلِ، بل هو وجودٌ مستمرٌ أزليٌ أبديّ، و ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ دليلٌ على أنّ وجودِه ليس مثلَ وجودِ نفس الإنسان الذي يتحصّلُ بعدَ العدم: يبقى دائمًا إمّا في جنةٍ عاليةٍ لا تفنى، وإمّا في هاويةٍ لا تنقطع.
﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾، دليلُ على الوجودِ الحقيقي الذي له تعالى، هو الوجودُ الذي يفيدُ وجودَ غيرِه، ولا يستفيدُ الوجودُ من غيرِه؛ فقوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، دليلٌ على إثباتِ ذاتِه المقدّسةِ المنزَّهة. والصَّمديةُ تقتضي نفي الحاجةِ عنه واحتياجَ غيرهِ إليه،