فإن قلت: (مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ) ما هما من رب الناس؟
قلت: هما عطف بيان، كقولك: سيرة أبى حفص عمر الفاروق. بين بملك الناس، ثم زيد بيانا بإله الناس، لأنه قد يقال لغيره: رب الناس، كقوله: (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)] التوبة: ٣١ [وقد يقال: ملك الناس. وأمّا (إِلهِ النَّاسِ) فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان.
فإن قلت: فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرّة واحدة؟
قلت: لأنّ عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار. (الْوَسْواسِ) اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأمّا المصدر فوسواس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جهة السيادة أضعفُ من جهةِ الخدمة. كذلك معنى القَهّاريةِ في الألوهيةِ أعلى منه من معنى المالكيّة، ثم من جهةِ الرّبيّة.
وفي بعض التفاسير: إنَّ دَفْعَ شرِّ الشيطانِ ووسوستِه بأحدِ أمورً ثلاثة، إمّا بأن لا يُمكِّنُه من الوسوسةِ من حيثُ كونُه ربًّا، أو بأنْ يُمكِّنُه، لكن يمنعُه قهرًا من حيثُ المالكية، أو بأن ينهاه عن الوسوسةِ زجرًا، لكن يريدُها اختيارًا من حيثُ كونُه إلهًا، أو يُقال: إن العبدَ استعاذَ بالله من الشيطان. وعَلّلَ الاستعاذةَ بأوصافٍ مناسبةٍ على الترقي: وَصْفُه عَزَّ وجَلّ أولًا بأنه الرّبُّ، لأن أول ما يَعرفُ العبدُ من ربِّه، كونُه منعِمًا عليه ظاهرِه وباطنِه، ثم ينتقلُ منه إلى المعرفةِ بأنه متصرفٌ فيه ومالكُه، ثم ينتقلُ إلى المعرفةِ بأنه هو المعبودُ على الإطلاق، وأنْ لا مصيرَ إلا إليه.
قولُه: (وقد يقال: مَلِكُ الناس)، الراغب: «المَلِك: هو المتصرِفُ بالأمرِ والنهيِ في الجمهور، وذلك مختصٌ بسياسةِ الناطقين؛ ولذلك يقال: مَلِكُ الناس، ولا يقال: مَلِكُ الأشياء».
قولُه: (وأما المصدرُ فَوِسواس)، عن بعضِهم: أراد بالوَسواسِ الاسم الذي هو بمعنى الوسوسةِ وهو المصدر. وقال المغاربةُ: الفرقُ بين المصدرِ واسمِ المصدر هو أن المعنى الذي يُعبِّرُ