..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما الثاني: فعليه ما ذكره الخطّابي: هذا التقسيمُ راجعٌ إلى المعنى لا إلى الألفاظِ المتلوّة، لأنا نجدُُ الشطرَ الآخِرَ يزيدُ على الشطرِ الأولِ من جهةِ الألفاظِ والحروفِ زيادةً بَيّنةً، فينصرفُ النصفُ إلى المعنى، لأن السورةَ من جهةِ المعنى نصفُها ثناءٌ ونصفُها دعاء، وقّسمُ الثناءِ ينتهي إلى قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، وباقي الآيةِ من قسمِ المسألة، فلهذا قالَ في هذه الآية: " بيني وبين عبدي". تمّ كلامُه.
وتحريرُ ذلك: أنه تعالى قسمَ السورةَ في هذا التقرير أثلاثًا، وقالَ في الثلثِ الأول: "حمدني" و"أثنى عليّ" و"مجَّدني"، فأضافها إلى نفسِه. وقال في الثلثِ الآخرِ: " هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل"، فَخصَّه بالعبد، وفي الوسط جَمع بينهما وقال: " هذا بيني وبينَ عبدي". ولأن يَربِطَ النصفَ الأول بالثاني، قَدّمَ فيه العبادةَ على الاستعانة، لأن الوسيلةَ مُقدَّمٌ على طلبِ الحاجة.
وأيضًا إن العبادةَ متفرِّعةٌ على الثلثِ الأول، لأنّ استحقاقَ اختصاصِ العبادةِ به إنما كانَ لأجلِ تلك الأوصافِ الكاملة، وإنّ الاستعانةَ فُرِّعَ عليها الثلثُ الآتي وفُسِّرتْ به؛ فإنَّ التقدير: كيف أُعينُكم؟ فقالوا: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾.
ولاعتبارِ المعنى ولتَضمُّنِ الثلثِ الأول معنى البسملة، استُغنيَ عنها به، وكذلك ثَلّثَ الثلثَ الأول، وجعلَ الطرفين -أعني: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ - مؤسسينِ على الوسط- أعني: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ - حيث اختصَّه بالثناءِ في قوله: "أثنى عليَّ عبدي"، مع أنّ الكلَّ ثناء.


الصفحة التالية
Icon