والمعنى: لا أستطيع أن أضركم وأن أنفعكم، إنما الضار والنافع الله. أو لا أستطيع أن أقسركم على الغي والرشد، إنما القادر على ذلك الله عز وجل، و (إلاَّ بَلاغًا) استثناء منه، أي: لا أملك إلا بلاغاً من الله. و (قُلْ إنِّي لَن يُجِيرَنِي) جملة معترضة اعترض بها لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه، على معنى أن الله إن أراد به سوءا من مرض أو موت أو غيرهما، لم يصح أن يجيره منه أحد أو يجد من دونه ملاذا يأوي إليه. والملتحد الملتجأ، وأصله المدخل، من اللحد. وقيل: محيصا ومعدلاً. وقرئ: «قال لا أملك»، أي: قال عبد الله للمشركين أو للجن. ويجوز أن يكون من حكاية الجن لقومهم. وقيل: (بَلاغًا) بدل من (مُلْتَحَدًا)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد مر في قوله تعالى في "يونس": ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ [يونس: ١٠٧]. فإن قلت: لم ذكر المس في أحدهما والإرادة في الثاني؟ قلت: كأنه أراد أن يذكر الأمرين جميعاً: الإرادة والإصابة في كل واحد من الضُّر والخير.
قوله: (أو لا أستطيع أن أقسركم على الغي والرشد)، الانتصاف: "الآية لما دلت على أن الله تعالى هو الذي يملك لعباده الرَّشد والغي، فإنه صلوات الله عليه، إنما سلبهما عن نفسه يمحض إضافتهما إلى الله تعالى، أعمل الزمخشري الحيلة، فتارة يحمل الرشد على النفع، وتارة ينظر إلى خصوصية الرشد، فيضيف إليه قيد الإكراه. ومع هذا، فالجن أشد منهم نظراً لما سبق من اعتقادهم الحق".
قوله: (و ﴿إِلَّا بَلَاغًا﴾ استثناء منه)، أي: من قوله: ﴿لَا أَمْلِكُ﴾، قال القاضي: "لأن التبليغ إرشاد"، وقال أبو البقاء: "هو استثناء من غير جنس".
قوله: (وقيل: ﴿بَلَاغًا﴾ بدل من ﴿مُلْتَحَدًا﴾، فعلى هذا لا يكون قوله: ﴿قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾ اعتراضاً.