قال المشركون: متى يكون هذا الموعود؟ إنكاراً له، فقيل: (قُلْ) إنه كائن لا ريب فيه، فلا تنكروه؛ فإن الله قد وعد ذلك وهو لا يخلف الميعاد. وأما وقته فما أدري متى يكون؛ لأن الله لم يبينه لما رأى في إخفاء وقته من المصلحة.
فإن قلت: ما معنى قوله: (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا)، والأمد يكون قريباً وبيعداً، ألا ترى إلى قوله: (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [آل عمران: ٣٠]؟
قلت: كان رسول الله ﷺ يستقرب الموعد، فكأنه قال: ما أدري أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل ضربت له غاية، أي: هو (عَالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ) فلا يطلع، و (مِن رَّسُولٍ) تبيين لمن ارتضى،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ما معنى قوله: ﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا﴾)، أي أن الهمزة و"أم" المعادلة يقتضيان أن يقال: أقريب ما توعدون أم بعيد؟ والأمر مشترك بين البُعد والقُرب. وأجاب أن رسول الله؟، لما كان مُهتماً بقُرب الوعد، صرح في الجزء الأول من الكلام ما كان مُقتضياً إثباته. وفي الجزء الثاني أُطلق، على أنه غير مُلبس أن المراد: أم مؤجل ضُربت له غاية.
قوله: (أي: هو ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾)، يريد أن ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾، خبر مبتدأ محذوف، والإضافة مَحضة. وأنت تعلم أن تعريف الخبر يُنبئ عن التخصيص، والكلام وقع تعليلاً لنفي الدراية، كأنه قيل: ما أدري قُرب ذلك الموعد ولا بُعده، إلا أن يُطلعني الله عليه، لأن علم جميع الغيب مُختص به، وهو يُطلع على بعضه بعض الخَلق، على هذه الطريقة المخصوصة المذكورة في هذه الآية، و "الفاء" في ﴿فَلَا يُظْهِرُ﴾، لتعقيب حُكم بَعد حُكم،


الصفحة التالية
Icon